وبعد أن حكى
الأقوال المختلفة في هذا عقب عليها مرجحا بقوله: (وأولى القولين بالصواب في المفدي
من ابني إبراهيم خليل الرحمن على ظاهر التنزيل قول من قال: هو إسحاق، لأن الله
قال: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: 107] فذكر أنه فدى
الغلام الحليم الذي بشر به إبراهيم حين سأله أن يهب له ولدا صالحا من الصالحين،
فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100] فإذ كان
المفدي بالذبح من ابنيه هو المبشر به، وكان الله تبارك اسمه قد بين في كتابه أن
الذي بشر به هو إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فقال جل ثناؤه: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا
بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71] وكان في كل
موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد، فإنما هو معني به إسحاق، كان بينا أن تبشيره
إياه بقوله: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات: 101] في
هذا الموضع نحو سائر أخباره في غيره من آيات القرآن. وبعد: فإن الله أخبر جل ثناؤه
في هذه الآية عن خليله أنه بشره بالغلام الحليم عن مسألته إياه أن يهب له من
الصالحين، ومعلوم أنه لم يسأله ذلك إلا في حال لم يكن له فيه ولد من الصالحين،
لأنه لم يكن له من ابنيه إلا إمام الصالحين، وغير موهم منه أن يكون سأل ربه في هبة
ما قد كان أعطاه ووهبه له. فإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذي ذكر تعالى ذكره في هذا
الموضع هو الذي ذكر في سائر القرآن أنه بشره به وذلك لا شك أنه إسحاق، إذ كان
المفدي هو المبشر به)[2]
ومع قوة
الأدلة التي استدل بها القائلون بأن المفدى هو إسماعيل (ع)، لدلالة القرآن الكريم عليها إلا أن الطبري، ولشدة شغفة ووثوقه بسلفه من
اليهود، راح يفندها