فهذا الحديث
العظيم يخبر أن دين الله أبيض نقي صاف ليس فيه أي دنس أو شبهة تمنع العقل السليم
من التسليم له.. لكن هذا الأبيض يمكنه أن يتحول إلى أسود إذا ما اختلط بغيره.. فهو
لشدة بياضه وجماله أسرع الأشياء إلى التلوث إذا لم يحافظ عليه.
والمحافظة
عليه تكون بالتسليم لأهله من ورثة الكتاب كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ
أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر:
32]، والذين حددهم رسول الله k بدقة، بل عينهم
بأعيانهم وأسمائهم وصفاتهم وكل ما يتعلق بهم.
لكن البغي
الذي مارسته الأمم السابقة على الورثة مارسته هذه الأمة، فبغت عليهم، وحسدتهم،
وأعرضت عنهم، ثم أحلت بدلهم اليهود وتلاميذ اليهود.
وكانت
النتيجية ما نراه من اسوداد الدين بعد بياضه، واختلاطه بعد صفائه، وتدنسه بعد
قداسته..
وقد ذكر
القرآن الكريم مظاهر ذلك الدنس الذي يصيب الأديان نتيجة عدم تمسكها بالمواثيق،
فقال ـ كما في الآية السابقة ـ : ﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾
[المائدة: 13]
فهذه الآية
الكريمة تذكر بعض نتائج الدنس، وأولها قساوة القلوب، بسبب إعراضها عن أداء
المواثيق التي كلفت بأدئها.. ونتج عن تلك القسوة التحريف الذي هو خلط المقدس
بالمدنس.. ونتج عنها كذلك الكتمان، ونسيان القيم الإنسانية الرفيعة التي جاء بها
الكتاب لتحل بدلها قيم بشرية شيطانية.
انطلاقا من
هذا سنحاول في هذا الفصل أن نذكر بعض هذه النتائج الخطيرة، وقد