من التهم
التي طالت السلفية في عصورها المختلفة من لدن الكثير من العلماء المعتبرين تهمة
[التكفير]، ولهذا نجدهم أحرص الناس على رميها عن أنفسهم، والاحتيال لذلك بكل صنوف
الحيل والدهاء التي تعلموها من أساتذتهم من السلف الأول والآخر.
وأول تلك
الحيل هي الاحتيال على رسول الله k
نفسه، وذلك بتأويل كل ما ورد في النصوص من تحذيراته k
من وجود طائفة من الأمة، تتقن التكفير كما تتقن الرياء والخداع، كما تتقن احتكار
الدين ومصادره وتشريعاته، كما تتقن فن الإرهاب والعنف بكل أنواعه[1].. إلى طائفة قد ذهب بها التاريخ في غابر
الزمان، ولم تمكث إلا فترة محدودة جدا لا تكاد تعتبر.. وكأن رسول الله k الذي أولى تلك الطائفة كل تلك الأهمية غفل عن
طائفة أخطر، وأكثر تضليلا وتكفيرا، وأكثر إرهابا وعنفا، وأطول مدة وزمنا.
وثاني تلك
الحيل هو ما تعلموه في فن الجرح والتعديل من الجمع بين توثيق الراوي الواحد
وتضعيفه، حتى إذا ما أعجبهم حديثه غلبوا التوثيق على التضعيف، وإذا لم يعجبهم
حديثه غلبوا التضعيف على التوثيق.
وهكذا فعلوا
مع التكفير.. وهكذوا غرروا بالكثير من الطيبين الذين لا يعرفون حيلهم ومكرهم،
فأغروهم ببعض الكلمات المعسولة التي وردت عن سلفهم وخلفهم في أنهم طيبون، وأنهم لا
يكفرون أحدا من أهل القبلة، وأن التكفير شأن الخوارج، وأن
[1] أشير بذلك
إلى قوله k:
(سيخرج قوم في آخر الزمان، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون
من قول خير البرية، يقرؤون القرآن، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما
يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند
الله يوم القيامة)، رواه البخاري 9 / 86.