فلم أر ولم
أسمع طول حياتي عالماً بلغت به همته مثل ما بلغت همة ابن تيمية به، فقد اتعبته
ولكنها أوصلته إلى مراقي الحمد، ومصاف الكرامة، وغاية المجد، وذروة الشرف، وسنام
القبول في الأرض.
همته حركته
إلى طلب العلم النافع فلم يرض بعلم دون علم، ولم يقنع بتخصص دون تخصص، ولم يشبع من
فن دون فن، بل رسخ في الجميع، ومهر في الكل، واستحوذ على قصب السبق في المعرفة.
تتجلى همته
في العبادة، فقد كان خاشعاً منيباً مخيبتا متسنناً، كثير الأوراد صلاة وصياماً
وذكراً ودعاء وقيام ليل وجهاداً وإخلاصاً وأنابه وتواضعاً وخشية لله عز وجل وغيرة
وفي التأليف، فهو من العلماء الثلاثة الذين بلغوا الغاية في التأليف، وهم ابن
الجوزي والسيوطي بالإضافة إليه، وقد كان أكثرهم تحقيقاً وتنقيحاً ورسوخاً وعمقاً
ونفعاً وأثراً في الأمة، حتى قيل إن مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف
مؤلف، ولو جمعت لكانت أكثر من خمسمائة مجلد، وقد ضاع منها الكثير.
كما تتجلى
همته في الدعوة؛ فقد اشتغل بالدعوة الفردية، والدعوة الجماعية، ودعوة السلطان
وحاشيته، ودعوة العامة، ودعوة الطوائف جميعاً، ودعوة غير المسلمين، فدعا بالكتابة
والخطابة والدروس والمراسلة، ودعا وهو في الحبس، ودعا في المعركة، ودعا بالآيات
البينات ودعا بالحجج القواطع، ودعا بالراهين الساطعة، والأدلة اللامعة، ودعا
بالمناظر والمجاورة، ودعا مشافهة،ودعا كتابة؛ فكانت حياته دعوة من أولها إلى
آخرها.
وقد شهد له
بهذا كل فضلاء عصره وغيرهم، لقد قال عنه (ابن الوردي): (كل
[1] النص
التالي من الكتاب السابق (على ساحل ابن تيمية بتصرف) بتصرف.
نام کتاب : شيخ الإسلام في قفص الاتهام نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 33