متكلم اتفق الكل على مدى قوة عقله
ورجاحته، أقصد أبا حامد الغزالي الذي قال بعد صحبته للصوفية: ومن أول الطريقة
تبتدئ المكاشفات والمشاهدات، حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة، وأرواح
الأنبياء ويسمعون أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد. ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور
والأمثال، إلى درجات يضيق عنها النطق)[1]
ونفس الشيء يقال في تأثير اعتقاد الشيعة
بحياة المهدي، فإن هذا الاعتقاد أكسبهم علاقة تفوق بكثير علاقة السنة بالمهدي، وهي
علاقة تبدأ من التواصل الروحي معه، والاستفادة من ذلك في التربية والسلوك والترقي،
وتنتهي بالتواصل الاجتماعي والسياسي، والذي أكسب المشروع السياسي الشيعي من القوة
ما يفتقده المشروع السياسي السني، ذلك أن للأول عقيدته الحية الكبرى المؤثرة، وأما
الثاني فليس له مثل تلك العقيدة.
وقد لقي الشيعة مثلما لقي إخوانهم من
الصوفية الكثير من التهكم والسخرية، ولكنهم لم يتأثروا، ولم ينفعلوا، ولا أحدث
فيهم ذلك أي نفور من عقيدتهم، مثل إخوانهم من الصوفية تماما، والذين يقولون كل حين
مخاطبين المنكرين عليهم:
نحن قوم
لانبالي بالملام
لاتلمني ياعذولي إنّني
لا تلم عبد الهوى فيما جرى
كم محبّ زاده العذل فــــــما
***
إن كتمنا الحبّ أبداه الغرام
عبد رقّ بين سادات كرام
في إهتزاز واضطراب واصطلام
أبعد السّلوان عن أهل الغــــرام
وقد كان في إمكان المتهكمين لو كانوا
صادقين مع أنفسهم ومع الحقيقة ومع الأدب مع الله أن يلتمسوا آلاف الأعذار لكل هذا،
ولعل أدناها أن يتدبروا في قوله تعالى: