فقد قسم الله
تعالى أهل السبت إلى ثلاثة أقسام، قسم ارتكبوا جرم المخالفة، وقسم نهوهم، وقسم
سكتوا عنهم، لكنه عند ذكر عقوبته لهم ذكر أنه لم ينجو إلا المنكرون.. وهذا يعني أن
الساكتين والفاعلين نالتهم نفس العقوبة، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتْ
أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ
عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
(164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ
السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا
يَفْسُقُونَ (165)﴾ [الأعراف: 164، 165]
بناء على
هذا، فإن الواجب الذي نرى أنفسنا مكلفين به هو الوقوف في وجه الدجل والاحتيال
والتلاعب بالدين من غير أن يكون لنا انحياز لأي مدرسة من المدارس أو جهة من
الجهات.. ولذلك شملت المقالات الكثير من المدارس والتوجهات مع اختلافاتها الشديدة
بينها..
أوهام وحقائق، ص: 9
الدين الوراثي
من أعظم
الحجب الحائلة بين ملايير الناس في واقعنا، وفي جميع التاريخ، وبين دين الله
الأقوم، ما يمكن تسميته [الدين الوراثي].. وهو دين ينطلق من الأنا وكبريائها، ليرسم
لصاحبها أنه ومن ولد معه في تلك البيئة، أو من شاركه في ذلك الدين، ومارس معه تلك
الطقوس.. وحدهم فقط على الحق المجرد، وغيرهم على ضلالة.
وقد كان هذا
الدين هو الذين اعتنقته عاد وثمود وقوم فرعون.. الذين رددوا جميعا، ـ وهم يواجهون
أنبياءهم بكل كبرياء ـ ما ذكره القرآن الكريم عنهم، قال تعالى: ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا
عَابِدِين﴾ [الأنبياء:53]، وقال: ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا
كَذَلِكَ يَفْعَلُون﴾ [الشعراء:74]، وقال: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا
وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُون﴾ [الزخرف:22].
وهكذا أعطى
القاعدة العامة لهؤلاء جميعا، فقال: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن
قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون﴾ [الزخرف:23]
وما ذكره
الله عن سنته في الأمم السالفة هو نفسه الذي وجد في هذه الأمة.. فما كان لهذه
الأمة أن تتخلف عن سنن الله.. ولذلك دب فيها هذا النوع من الدين.. وكان سببا
لصراعات كثيرة بينها وبين نفسها، وبينها وبين الأمم الأخرى.. وحل هذا الدين في
الأخير بديلا لدين الله الأقوم الذي لم يختلط بالبيئات ولم تؤثر فيه الأجيال.
وأول علامات
هذا الدين هو الكبرياء والفخر والتباهي.. مع أن دين الله الأقوم هو الذي يملأ
صاحبه بالتواضع والمحبة والإحساس بالحزن والألم على كل المخلوقات، كما كان رسول
الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) صاحب الدين الأقوم الذي قال له ربه: ﴿فَلَعَلَّكَ
بَاخِعٌ نَّفْسَكَ