وأما الثاني،
فهو استحضار عظمة الله تعالى، وذلك بأن يعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، ولهذا
كان بعض الصحابة ـ كما ينقل الغزالي ـ إذا نشر المصحف غشي عليه،ويقول: (هو كلام ربي،
هو كلام ربي)[2]،وطريق التحقق بهذا ــ كما يرى الغزالي ــ هو أن يحضر بباله عند بداية التلاوة
العرش والكرسي والسماوات والأرض وما بينهما من الجن و الإنس و الدواب والأشجار،
ويعلم أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد، وأن الكل في قبضته، مترددون
بين فضله ورحمته، وبين نقمته وسطوته، إن أنعم فبفضله، وإن عاقب فبعدله[3].
وهذا التعظيم التمهيدي
هو وسيلة وغاية في نفس الوقت، لأنه بقدر تعظيمه عند القراءة يكون فهمه عن الله،
وبقدر فهمه عن الله تكون معرفته ويزداد تعظيمه.
هكذا يقرأ
القرآن الكريم، وهكذا يمكن أن يفهم، أما كل أولئك التنويريين الغارقين في ظلمات
أنفسهم وأهوائهم، فهم محجوبون عن القرآن.. لأنه لا يمكن أن يفهم القرآن من حجب عن
رسول الله a، أو تصور أنه مجرد بشر كسائر
البشر، من غير أن يوحي إليه شيء.
ولايمكن أن يفهم
القرآن ذلك المغرور الذي يتصور أنه يمكن أن يفهمه بعيدا عن النبوة، وعن ورثة
النبوة.. فالمتكبر المستعلي محجوب عن آيات الله، كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ
آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ
يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا