نام کتاب : التنويريون والصراع مع المقدسات نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 82
بل إنه ـ وعند
حديثه عن القيم الأخلاقية التي ارتبطت بالأنبياء في القرآن الكريم ـ يقع في إغرابات
لا تقل خطورة.
فهو ـ مثلا عند
حديثه عن يوسف عليه السلام ـ وكيف تحلى بالعفة، وواجه الفاحشة بكل قوة، خالف
مخالفة قطعية المنهج القرآني، بل صور أن الفاحشة نفسها لم تكن محرمة، وإنما راعى
يوسف عليه السلام فقط ما تعلمه من بيئته البدوية من وفاء ومروءة، فقد قال معلقا
على قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ
وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ
رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23]: (ونفهم
منه أموراً أولها: أن يوسف كان يعرف الله بدليل أنه استعاذ به[1]،
ثانيها: أنه استكبر واستنكر أن يمتثل لما تدعوه إليه باعتباره يتعارض أخلاقياً مع
ما انفتحت عيناه عليه في بيئته الأولى من مكارم وقيم ومثل عليا كالوفاء والمروءة،
وليس باعتباره زناً محرماً لأن تحريم الزنا لم يكن قد نزل به تحريم إلهي)[2]
بل إنه ـ وفي
تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى
بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ
مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24] راح يقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها
أولئك الذين انتقدهم باعتبارهم خرافيين وظلاميين؛ فقد قال تعقيبا عليها: (هذه
الآية لا يمكن فهمها إلا إذا فهمنا لماذا استعاذ يوسف بالله في الآية السابقة،
والجواب إنه من موقعه كنبي يعلم أن ميل الرجل للمرأة والمرأة للرجل غريزة فطرية
جعلها الله فيهما.. ويعلم أن هذه الغريزة المخلوقة
[1] وذلك بناء على قوله بأن معرفة الله
كانت مرحلة من مراحل التطور البشري.