وكل هذه المراتب تشكل شطر العمل أو الصفة التي تتعلق بها، فهي البذور للثمار
الناتجة عنها، فلا تصح الصلاة إلا بالطهارة الحسية، ولا تعمر الظواهر بالأخلاق والآداب
إلا بعد تطهيرها من المعاصي والآثام، ولا يتحلى القلب بحلة التقوى إلا بعد تهذيبه وصقله
من أخلاقه المذمومة، ولا ينكشف جلال الله وعظمته إلا بعد تطهير السر عما سواه عز وجل.
وهذه المراتب كلها تكون مقامات الإيمان التي يتدرج في سلوكها المؤمن، ولكل
مقام طبقة، ولن ينال العبد الطبقة العالية إلا بمجاوزة الطبقة السافلة، (فلا يصل إلى
طهارة السر عن الصفات المذمومة، وعمارته بالمحمودة ما لم يفرغ من طهارة القلب عن الخلق
المذموم، وعمارته بالخلق المحمود)[2]، فالتزكية إذا وبهذا الإعتبار،
هي تدرج في مراتب الكمال الإنساني، بتطهيره من كل سيء إلى حقيقته وفطرته التي جيل عليها.
وفطرة القلب الإنساني وخاصيته تكمن ـ كما يرى الغزالي ـ في استعداده من حيث
جوهره لمعرفة الله تعالى، وهذه المعرفة تتعلق بالقلب لا بالجوارح (فالقلب هو العالم
بالله، وهو المتقرب إلى الله، وهو العامل لله، وهو الساعي إلى الله، وهو المكاشف بما
عند الله ولديه، هو المقبول عند الله إذا سلك من غير الله، وهو المحجوب عن الله إذا
صار مستغرقا بغير الله)[3]