وبما أن أعيان هذه القوى مستعدة لكل ما يحل بها سواء كان في مصلحتها أو مضرتها
احتاجت إلى حسن عناية وتأديب، كما احتاجت الحركات النباتية إلى تشذيب، والحركات الحيوانية
إلى تهذيب، وذلك التأديب لا يتحقق إلا بالتأييد والتسديد والتعريف.
1.
أما التأييد فهو اختيار الخير من الحركات الفعلية دون
الشر.
2.
وأما التسديد فاختيار الصدق من الحركات القولية دون الكذب.
3.
وأما التعريف فاختيار الحق من الحركات الفكرية دون الباطل
[2].
ولكن هذه الأعمال الثلاثة لا تتحقق إلا بوجود قوى تفوق القوى الحيوانية، ولذلك
أيد القلب الإنسان بجند رباني يعينه على تأديب تلك القوى وتلك الجنود هي:(العلم والحكمة
والتفكر)[3]، فإذا استعان الإنسان بذلك الجند حصلت التزكية، ونال ثمارها، وكان من أهل
قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ (الشمس:9) وإذا أهملها كان
من أهل قوله تعالى: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ (الشمس:10)[4]
ولتوضيح ضرورة التزكية وأثرها في المحافظة على حقيقة الإنسان وتوازنه يضرب
الغزالي أمثلة كثيرة عن علاقة قلب الإنسان بالقوى المودعة فيه.
ومن تلك الأمثلة تشبيه العقل، وهو الجند
الرباني، بالصياد، وتشبيه الشهوة بالفرس، والغضب بكلب الصيد، فإن كان الصياد حاذقا،
وفرسه مروضا، وكلبه مؤدبا معلما كان جديرا بالنجاح (أما إن كان هو في نفسه أخرق، وكان
الفرس جموحا، والكلب عقورا، فلا