ثم عقب على ذلك بقوله:
(فهذا الرجل لا نذر في كلامه وقد أراد الإحرام- وهو في نفسه عبادة- من موضع فاضل
لا بقعة أشرف منه وهو مسجد رسول الله a وموضع قبره. وأراد أن
يزيد أميالا تقرباً لله تعالى بإيقاع الإحرام بذلك الموضع الشريف وزيادة التعب
بالأميال. ومع ذلك رده مالك عن ذلك وبيَّن له قبح فعله بما يراه لنفسه من السبق
وقرأ عليه الآية مستدلا بها وما كان مثل هذا داخلا في الآية عنده ألا وهو يراه
حراما)[2]
ويضاف إلى هذه الأحاديث
قوله a : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس
منه فهو رد)[3]
الاحتجاج بترك النبي a :
من خلالنا استقرائنا
للمحاورات الفقهية التي أجرتها الجمعية مع المخالفين لها في موقفها من البدع نرى
اعتمادها الكبير على ما يسميه الأصوليون (مسألة الترك)، ولهذا نحاول أن نفصل
الكلام عليها هنا، مع ذكر رؤية المخالفين لها، وسنرى من خلال ما سنذكره في الفصول
التالية من نماذج الكثير من الأمثلة عن هذا النوع من الأدلة.
وقد عبر ابن باديس على اعتبار هذا النوع
من الأدلة بقوله: ( الاستدلال بترك النبي a أصل عظيم في الدين
والعمل النبوي دائر بين الفعل والترك، ولهذا تكلم علماء الأصول على تركه كما
تكلموا على فعله وقد ذكرنا جملة من كلامهم فيما قدمنا غير أن تقرير هذا الأصل الذي
يهدم بدعا كثيرة من فعل ما تركه النبي a مما يتأكد مزيد تثبيته
وبيانه اذ بالغفلة عنه
[1] انظر: القاضي محمد بن
عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ)، أحكام القرآن، راجع
أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة:
الثالثة، 1424 هـ - 2003 م، (3/ 432)