وصفت القربانين وحددت نوعهما.. والقرآن لم يذكر كل هذه
التفاصيل.. بل اكتفى بكون الأخوين من ابني آدم.
والتوراة تروى حواراً بين قابين والرب بعد قتله أخاه،
وتعلن غضب الرب على قابين وطرده من وجه الرب إلى أرض بعيدة، والقرآن لم يذكر هذا
الحوار، ولم يذكر أن القاتل طرد من وجهه إلى أرض بعيدة.
والتوراة تخلو من أى حوار بين الأخوين، بينما يفصل القرآن
الحديث الذى دار بين ابنى آدم، ويفصل القول عما صدر من القتيل قبل قتله وتهديده
لأخيه بأنه سيكون من أصحاب النار إذا قتله ظلماً.
والتوراة تخلو من ذكر مصير جثة القتيل، وتخلو من ذكر
الغراب الذى بعثه الله لٍِيُرى القاتل كيف يتصرف فى جثة أخيه.
والتوراة تنسب الندم إلى قابين القاتل لما هدده الله
بحرمانه من خيرات الأرض، ولا تجعله يشعر بشناعة ذنبه، بخلاف القرآن الذي يصرح بندم
القاتل بعد دفنه أخيه وإدراكه فداحة جريمته.
تأمل بعد هذا في غرض كلا القصتين، وهو ما ينبغي أن يميز
الكتاب المقدس عن غيره:
التوراة لا تهدف من القصة إلا ذكر جانبها التاريخي، فلذلك
تتوغل في التفاصيل التي لا أهمية لها من الناحية السلوكية، فهي تركز على
التاريخ.. مجرد التاريخ.
والأخطر من هذا أن التوراة تحتوي على سوء مخاطبة قابين
الرب، فتراها تذكر قوله:( أحارس أنا لأخى )، ففي هذه العبارة فظاظة لا يصح أن تصدر
من إنسان نحو أبيه، فكيف تصدر من عبد لربه، ومع ذلك لا يعاقب عليها، بل يعاقب فقط
على جريمته، ثم لا يذكر من عقوبته إلا أن يبعد عن الأرض الطيبة، ويحرم من خيراتها،
ثم تذكر التوراة اسم هذه الأرض.. وتكتفي بذلك.
بينما نرى القرآن يجعل من القصة نموذجا صالحا لكل نفس طيبة
تتصارع مع نفس خبيثة.. في القرآن الصراع ليس بين أشخاص ضمتهم الأرض بين حناياها،
بل هو صراع بين الحق