والباطل، والخبيث والطيب.. ولذلك يمتد تأثير القصة أبد
الآباد.
اسمع قول الأخ الطيب لأخيه الخبيث:{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا
أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ
الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ
مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)(المائدة).. هذا النص
المهم تخلو منها التوراة، وتعرض بدله القربان الذي قدمه كلاهما لله، ثم تكتفي من
ذلك القربان بذكر حسن قربان هابيل، وسوء قربان قايين، وكأن الله ينظر إلى حسن
القربان لا إلى نفس المقرب.
إضافة إلى هذا كله.. فإن ما قاله هابيل لأخيه في القرآن من
عدم مد يده لأخيه خوفا من الله درس تربوي عظيم يفوق كل ما نفخر به من قول المسيح:(
لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً. ومن أراد أن
يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً )(متى5: 38)
فإن ما ذكره القرآن أعظم من اللطم أو السرقة.. إنه القتل..
ثم القرآن يربطه بالجانب الإيماني السلوكي، وهو الخوف من الله، والرهبة من عقابه،
بخلاف قول المسيح الذي لم يرتبط بأي ترغيب، ولا بأي ترهيب.
ثم إن القرآن بعد ذكر القصة يرتب عليها أحكاما عملية تشريعية،
فيبنى على القصة ذكره للحكمة من شريعة القصاص العادل التي شرعها الله في جميع
شرائعه:{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ
أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ
كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}(المائدة:32)
انظر هذا الترهيب الذي تحمله هذه الآية من القتل.. وانظر
قبل ذلك ذكرها لندم القاتل بمجرد قتله، لا بإبعاده عن أرض ليسكن غيرها.. إن القرآن
يربي ويوجه ويشرع ويخاطب النفوس.. بينما تروي التوراة الحادثة كما ترويها العجائز
خالية من الروح، مضمخة بالخطيئة.