قال: أول ما يرد هذه القصة أنها لم تصح سندا [1].. فكل الروايات التي رويت بها أضعف من أن يستدل بها في
مثل هذا الأمر الخطير.. إن مثل هذا يستدعي التواتر، فكيف يؤيد بالضعاف التي لا
تصلح سندا لقضية بسيطة، فكيف بقضية خطيرة كهذه.
لقد قال ابن كثير الذي استندوا إليه في هذه الروايات:( ذكر
كثير من المفسرين هنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير ممن هاجروا إلى الحبشة
ظنًّا منهم أن مشركى مكة قد أسلموا.. ولكنها ـ أى قصة الغرانيق ـ من طرق كثيرة
مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح )
وقد سئل ابن خزيمة عن هذه القصة فقال:( من وضع الزنادقة )
وقال البيهقي:( هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ورواية
البخاري عارية عن ذكر الغرانيق )
وقال ابن حزم:( والحديث الذي فيه: وانهن الغرانيق العلا،
وان شفاعتهن لترجى. فكذب بحت لم يصلح من طريق النقل ولامعنى للأشتغال به، إذ وضع
الكذب لا يعجز عنه أحد )
ثم بعد هذا.. لماذا لا تعود للسورة وتقرؤها بتدبر لترى
الحقائق التي تحملها.. فإن كانت القداسة في شيء فهي في القرآن، لا في كتب
المفسرين.. ولا يمكن أبدا أن تصير كلمات المفسرين كلمات مقدسة.. فالربانية لكلمات
الله المقدسة.. لا للفهوم البشرية المدنسة.
مصادر الكتاب المقدس
تنفس الصعداء، وقال: ها قد انتهينا من عرض القرآن على
العقل والحكمة لنعرف ربانية
[1] من الروايات الواردة في ذلك ما روي عن
سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية:)
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (لنجم:19)، قرأها رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم فقال:« تلك
الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترجى »، فسجد رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، فقال
المشركون: إنه لم يذكر آلهتهم قبل اليوم بخير، فسجد المشركون معه، فأنزل الله:) )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ
وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ
فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحج:52) إلى قوله:) وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى
تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ)
(الحج:55) أخرجه ابن جرير ( 17 / 120 )