نزل بعلم الله، كما يتفوق صانع على صانع آخر فى حذقه
ومهارته فى صنعته مع أن المادة التى استخدمها الصانعان فى النموذج المصنوع واحدة
وفى هذا قطع للحُجة عنهم.
ويؤيد هذا ما ورد في القرآن من قوله:{ أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}(هود)، فهذه تخبرهم بأن
القرآن إنما كان معجزاً لأمر واحد هو أنه كلام الله، نازل وفق علم الله وصنعه،
الذى لا يرقى إليه مخلوق.. أما اللغة فهي نفس اللغة التي يتحدثون بها، والتي أشارت
إليها كلمة (مثل)
ومنهم من رأى أن هذه الحروف أدوات صوتية مثيرة لانتباه
السامعين، يقصد بها تفريغ القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة..
فـ (ألم)، وهى تنطق هكذا ( ألف لام ميم ) تستغرق مسافة من الزمن بقدر ما يتسع
لتسعة أصوات، يتخللها المد مد الصوت عندما تقرع السمع تهيؤه، وتجذبه لعقبى الكلام
قبل أن يسمع السامع قوله بعد هذه الأصوات التسعة:{ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا
رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة:2)
وإثارة الانتباه بمثل هذه المداخل سمة من سمات البيان
العالى، ولذلك يطلق بعض الدارسين على هذه الحروف فى فواتح السور عبارة (قرع عصى)..
أي الضرب بالعصى على الأرض لتنبيه المراد تنبيهه.. وهى وسيلة كانت تستعمل فى إيقاظ
النائم، وتنبيه الغافل، وهى كناية لطيفة، وتطبيقها على هذه الحروف غير مستنكر.
وفي القرآن إشارة إلى ذلك في قوله:{ وَإِذَا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
(لأعراف:204)
ومنهم من رأى أن فى هذه الحروف سرًّا دقيقاً من أسرار
الإعجاز القرآنى المفحم، لقد قال هذا الزمخشري اللغوي البارع والمتعبد الزاهد لاشك
أنك تعرفه.. سأسمعك قوله في هذا، لقد قال:( واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز
سلطانه فى الفواتح من هذه الأسماء يقصد الحروف