يكفوا عن أذاهم بالخضوع لسلطان الدولة، ويعطوا الجزية فى
غير استعلاء.
إن هذه الآية لم تأمر بقتال اليهود لإدخالهم فى الإسلام،
ولو كان الأمر كذلك ما جعل الله إعطاءهم الجزية سبباً فى الكف عن قتالهم، ولاستمر
الأمر بقتالهم سواء أعطوا الجزية أم لم يعطوها، حتى يُسلموا أو يُقتلوا وهذا غير
مراد ولم يثبت فى تاريخ الإسلام أنه قاتل غير المسلمين لإجبارهم على اعتناق
الإسلام.
ومثيرو هذه الشبهة يعلمون جيداً أن الإسلام أقر اليهود بعد
الهجرة إلى المدينة على عقائدهم، وكفل لهم حرية ممارسة شعائرهم، فلما نقضوا
العهود، وأظهروا خبث نياتهم قاتلهم المسلمون وأجلوهم عن المدينة.
ويعلمون كذلك أن النبى عقد صلحاً سِلْمِيًّا مع نصارى تغلب
ونجران، وكانوا يعيشون فى شبه الجزيرة العربية، ثم أقرهم عقائدهم النصرانية وكفل
لهم حرياتهم الاجتماعية والدينية.
وفعل ذلك مع بعض نصارى الشام. هذه الوقائع كلها تعلن عن
سماحة الإسلام، ورحابة صدره، وأنه لم يضق بمخالفيه فى الدين والاعتقاد.. فكيف ساغ
لهؤلاء الخصوم أن يفتروا على الإسلام ما هو برئ منه[1]؟
قلت: فما تقول في قوله:{ يَسْأَلونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )(البقرة: 219) مع قوله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ
مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90)..
أليست الثانية ناسخة للأولى؟
قال: لا.. بل إن فى الآية الثانية توكيداً لما فى الآية
الأولى، فقد جاء فى الآية الأولى:{ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }، أما الثانية، فقد أكدت هذا المعنى،
فبينت أن