أما الثمرة الوحيدة التي هي فوق شـجرة العمر على شكل نعش
وجنازة، فإنها بالقرآن لم تبق كذلك، ( وانـما هي انطلاق لروحي - التي هي أهل للـحياة
الابدية ومرشحة للسعادة الابدية - من وكرها القديـم إلى حيث آفاق النـجوم للسياحة
والارتياد )
حتى تلك الصور المريعة التي كانت الغفلة تصور بها ( عظامي
ورميمها وتراب بداية خلقتي ) لم تبق ( عظاماً حقيرة فانية تداس تـحت الاقدام،
وإنما ذلك التراب باب للرحـمة، وستار لسرادق الـجنة )
أما أحوال الدنيا واوضاعها الـمنهارة في ظلمات العدم التي
نبصرها بنظر الغفلة، فإنها لم تبق كذلك بنور القرآن الكريم ( بل انها نوع من رسائل
ربانية ومكاتيب صمدانية، وصحائف نقوش للاسـماء السبحانية قد أتّمت مهامها، وأفادت
معانيها، واخلفت عنها نتائجها في الوجود، فأعلمني الإيـمان بذلك ماهية الدنيا علم
اليقين )
أما القبر، فلم يبق قبرا، بل هو بنظر القرآن الكريم ( باب
لعالـم النور ) ومثله ذلك الطريق الـمؤدي الى الابد، فإن لم يبق ( طريقاً مـمتداً
ومنتهياً بالظلمات والعدم، بل انه سبيل سوي الى عالـم النور، وعالـم الوجود وعالـم
السعادة الـخالدة )
وهكذا بددت النظرة القرآنية كل الأوهام التي سربتها
الغفلة، وأصبح ما كان يتصور داء عين الدواء، يقول النورسي:( وهكذا اصبحت هذه
الاحوال دواء لدائي، ومرهماً له، حيث قد بدت واضحة جلية فأقنعتني قناعة تامة )
قلت: وهل عاش هذا الرجل سعيدا؟
قال: أجل.. بل أعظم سعيد.. مع أنه أمضى أكثر حياته منفيا
مسجونا يدس له السم كل مرة.. وفوق ذلك يبعد عنه كل قريب.. بل يحرم كل أسباب
الحياة.
^^^
قرأ جميع هذا الكلام.. وسكت.. وغابت عيناه في الأفق
البعيد.. ثم راح يقول بينه وبين نفسه: