يجلس في كرسي السائق، قلت: أنت هو السائق إذن؟
قال: أجل.. لقد كنت أراك دائما.. وكان لي شوق أن أجلس معك، وقد أتاح الله لي هذه الفرصة لتسير معي كل هذه المسافة.
قلت: ما اسمك؟
قال: لويس بشارة..
قلت: أنت مسيحي إذن؟
قال: لا شك في ذلك.. كيف أكون عاملا في مطبعة الكتاب المقدس، ثم لا أكون مسيحيا؟
قلت: لا أقصد بالمسيحية الانتماء.. بل أقصد الدين.. هل أنت متدين؟
قال: أجل.. أنا ملتزم بكل شعائر الكنيسة وطقوسها، ولولا ذلك ما اشتقت للجلوس إليك.
قلت: شكرا على هذه المجاملة.. ولكني متعب.. ولدي سفر طويل.. ولهذا ـ ربما ـ لا أستطيع أن أرضيك بما تشتهي من مواعظ.
قال: لا بأس.. يشرفني أن تجلس معي فقط.. فقد تتحادث الأرواح بما لا تتحادث به الأجساد.
أعجبت بقوله هذا.. ثم سرنا برهة لا يحدث بعضنا بعضا.. رأى في وجهي بعض الضيق، فقال: لعلك تريد أن تسمع شيئا.. لدي أشرطة كثيرة.. ما الذي تريد أن تسمع منها؟
قلت: ما تقصد؟
قال: الموسيقى.. ألست تحب الموسيقى؟
قلت: أجل.. ولكني أحب سماع الصوت البشري الممتلئ بالإيمان.. فهو أحب إلى نفسي من تلك الأجراس التي تدقها الموسيقى.. خاصة موسيقى هذه الأيام.
قال: أنت مثلي إذن.. فأنا لا أحب إلا سماع الأصوات التي أشعر بصدقها.. إنني أحلق معها في عوالم الجمال التي لا يطيق لساني التعبير عنها.