والثاني ما أصله صيغة مبالغة، ثم تأتي التاء لتأكيد
المبالغة وزيادتها، مثل: (هُمزة) فأصلها (هُمَز) وهي من صيغ المبالغة مثل (حُطَم ـ
لُكَع ـ غُدَر ـ فُسق)، فنأتي بالتاء لزيادة المبالغة.
ويقول أهل اللغة:ما بولغ بالتاء يدل على النهاية في الوصف،
والغاية فيه، فليس كل (نازل) يسمى (نازلة)، ولا كل (قارع) يسمى (قارعة) حتى يكون
مستطيرا عاما قاهرا كالجائحة، ومثلها القيامة والصاخة والطامة.
قال: فنحن أمام صيغتين للمبالغة إحداها تدل على المزاولة،
والأخرى على النهاية في الوصف.
قلت: أجل.. هذا هو الفرق بينهما.
قال: لهذا ترى القرآن يستعمل كل صيغة في محلها الخاص، فقد
جاء في سورة نوح مثلا:{ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا
يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً) (نوح:27)، فالآية تشير إلى أن الكفر صار
ديدنهم ومهنتهم اللازمة لهم، وأنهم لن يخرجوا عنه.
وفي نفس السورة نقرأ:{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) (نوح:10)، أي أن الله غفار، وكلما أحدث العبد
ذنبا أحدث الله له مغفرة.
ليس هذا فقط.. بل إن القرآن قد يذكر الكلمة الواحدة في
موضع ببناء خاص، ثم يذكرها في موضع آخر ببناء آخر لاقتضاء السياق ذلك.
سأضرب لك مثلا على ذلك بكلمة ( الهمز)، فقد جاءت مرة على
صيغة (فُعَلَة) في قوله:{ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (الهمزة:1)، وجاءت مرة
على صيغة (فَعّـال) في قوله:{ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم:11)
سر ذلك يرجع إلى السياق الذي وردت فيه.. فمن استقراء سورة
القلم التي جاءت فيها الكلمة على صيغة (فَعّـال) نلاحظ أنها تتحدث عن التعامل مع
الخلق بين الناس، فكل مشاهد السورة أو أغلبها تدور حول هذا الأمر.. حتى أن فيها
هذه الآية:{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).. فهي