اقتربت منه رجاء أن يتنزل علي من الأحوال ما تنزل عليه،
وأن أذوق من المعارف ما ذاقه، وأن يتحرك من كياني ما تحرك من كيانه.
أحس الشيخ بحركتي، فالتفت إلي، وقال بلهجة فيها بعض العجمة:
هل أحضرت قلمك معك؟
قلت متعجبا: وما حاجتي للقلم.. أنا جئت لأعتكف بهذه
المناسبة العظيمة.. ومن يعتكف لا يحتاج إلى قلم، ولا إلى قرطاس، ولا إلى دواة،
يكفيه مصحف ومسبحة.
قال: أحيانا يكون القلم هو هادينا للمصحف والمسبحة.. ألم
يقسم الله بالقلم، وبما يسطرون؟
قلت: بلى.. ولكن ما علاقة ذلك بهذا؟
قال: لقد أخبر الله تعالى أنه علم الإنسان بالقلم..
قلت: ذلك صحيح، فقد كان من أول ما نزل من القرآن الكريم
قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ
الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) } [العلق: 3 - 6]
قال: فأحضر قلمك ودواتك والقراطيس لأحكي لك رحلتي إلى
الكلمات المقدسة عساك تخرج بها من ألمك الذي عراك.. وعساك تبلغها لمن ينتفع بها.
قلت: رحلتك إلى الكلمات المقدسة.. من أنت.. ؟
قال: أظن أنك عرفت من خلال لهجتي أنني لست من أهل هذه
البلاد.
قلت: أجل.. فلهجتك وملامحك تدل على أنك من أوروبا أو من
أمريكا.
قال: ذلك صحيح .. أنا من ألمانيا..
قلت: مبارك لك هداية الله.. لاشك أنك سمعت تصريحات البابا الذي
هو ابن بلدك حول