ولم تكتشف هذه الحقيقة إلا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر عندما تقدم
السير جورج ايري بنظرية مفادها أن القشرة الأرضية لا تمثل أساساً مناسباً للجبال
التي تعلوها، وافترض أن القشرة الأرضية وما عليها من جبال لا تمثل إلا جزءاً
طافياً على بحر من الصخور الكثيفة المرنة، وبالتالي فلا بد أن يكون للجبال جذور
ممتدة داخل تلك المنطقة العالية الكثافة لضمان ثباتها واستقرارها.
وقد أصبحت نظرية ايري حقيقة ملموسة مع تقدم المعرفة بتركيب الأرض الداخلي عن
طريق القياسات الزلزالية، فقد أصبح معلوماً على وجه القطع أن للجبال جذوراً مغروسة
في الأعماق يمكن أن تصل إلى ما يعادل 15مرة من ارتفاعاتها فوق سطح الأرض.
بل ثبت فوق ذلك أن للجبال دوراً كبيراً في إيقاف الحركة الأفقية الفجائية
لصفائح طبقة الأرض الصخرية.. وقد بدأ فهم هذا الدور في إطار تكتونية الصفائح منذ
أواخر الستينيات.
وبذلك تكون الجبال التي نراها عبارة عن قمم لكتل عظيمة من الصخور تطفو في
طبقة أكثر كثافة كما تطفو جبال الجليد في الماء.
علي: لقد عبر القرآن الكريم عن كل هذه المعلومات المرتبطة بالشكل والوظيفة
في قوله تعالى:﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ (النبأ:7)، وقوله
تعالى:﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ (لقمان:10)،
وقوله:﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ
وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ
يَهْتَدُونَ﴾(الأنبياء:31)
فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت، كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض
لتثبيت قشرة الأرض، وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل، فكذلك تثبت
قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقةٍ لزجةٍ نصف سائلة تطفو
عليها القشرة الأرضية.