ما وصل صاحبي عالم المياه من حديثه إلى هذا الموضع حتى مر علي، وهو يقرأ
بصوته الخاشع قوله تعالى:﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ
فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [1] (المؤمنون:18)، فسكت عالم المياه، وكأنه يسمع شيئا جديدا لم يسمعه من
قبل.. ثم نهض، واقترب من علي، وقال: أعد علي ما كنت تقرأ.
أعاد علي الآية التي قرأها، فقال عالم المياه: أهذا هو القرآن الذي جاء به
محمد؟
علي: أجل.. هذا هو القرآن الذي تكلم الله به لعباده.. هذا هو القرآن الذي
شرح الله لنا فيه حقيقتنا وحقيقة الوجود؟
عالم المياه: في أصل المياه التي تمتلئ بها الأنهار والآبار [3]..
[1] نصت هذه الآية
الكريمة على أن المطر ينزل بكمية محسوبة.
وقد دلت
الأبحاث الحديثة على هذا، وتقدر هذه الأبحاث أنه في الثانية الواحدة يتبخر من
الأرض تقريباً 16 مليون طنا من الماء، وهذا يعني أن الكمية التي تتبخر في السنة
الواحدة تبلغ 513 تريليون طن من الماء، وهذا الرقم مساو لكمية المطر التي تنزل على
الأرض خلال سنة.
وهذا يعني أن
المياه تدور دورة متوازنة ومحسوبة عليها تقوم الحياة على الأرض، وحتى لو استعمل
الناس كل وسائل التكنولوجيا المتوفرة في العالم فلن يستطيعوا أن يعيدوا إنتاج هذه
الدورة بطريقة صناعية.
انظر: معجزة
القرآن الكريم، لهارون يحيى.
[2] قال زغلول
النجار:« وواضح أن باليسي هذا قد نقل هذا الكلام عن ترجمات معاني القرآن الكريم
التي كانت قد توافرت للأوروبيين في زمانه، أو عن بعض كتابات المسلمين التي قام
الأوروبيون بترجمتها في بدء عصر النهضة الأوروبية إلي كل من اللاتينية واليونانية
بعد نهبها من المكتبات الإسلامية في كل من الاندلس وإيطاليا وصقلية، أو خلال
الحروب الصليبية، وذلك لوضوح النبرة الإسلامية في كتابته»
[3] وهذا لا
يتنافى مع ما ذكرناه سابقا من ذكر القرآن في قوله تعالى:﴿ أَأَنْتُمْ
أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ
دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ
أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)﴾(النازعات) لأن
هذه الآيات تتحدث عن كون الماء من الأرض، وما ذكرناه هنا يرتبط بدورة المياه.