وتعجبت أكثر من كون هؤلاء يقبلون تقنيات الغرب، ثم لا يقبلون علومه التي أسس
عليها تقنياته.
لكني صرفت كل هذا التعجب، وعدت إلى طبيعتي الباحثة.. وقلت لنفسي: لا ينبغي
أن يؤثر في طرف من الناس.. ذلك كلام صاحبي الذي دفعه إليه حرصه على دينه.. والواقع
قد يكون خلاف ما قال.
سرنا إلى فندق ضخم أعد خصيصا لنا في ضاحية من ضواحي المدينة.. وما وضعت
متاعي في غرفتي حتى ضاقت بي نفسي من كل تلك الخرسانات المسلحة التي تحيط بي،
فاستأذنت رفاقي، وخرجت إلى منتزه لا يبعد كثيرا عن الفندق.. وعلى عشبه الحنون
ارتميت أنظر إلى السماء المزهوة بأحلى ألوان الربيع.. ارتخيت لأسمع من همس جمال
الطبيعة ما كنت أسمع قبل مجيئي.
لكن تلك الهمسات قطعت بجهر اثنين كانا يجلسان بجانبي، سمعتهمها يتحدثان عن
المؤتمر المزمع انعقاده، كانا يتحدثان بانفعال شديد، فشدني كلامهما.. وهذا هو
الحوار الذي تمكنت من سماعه:
قال الأول: لست أدري ما الذي يخطط له هؤلاء الأغبياء.
قال الثاني: لم تنعتهم بالأغبياء.. هم لا يقولون إلا ما أداه إليه اجتهادهم،
والمجتهد له أجر، وإن أخطأ..
قال الأول: ولكن خطأهم عميق ومؤثر.. إنهم كمتهم أعطيت له أدلة براءته، فراح
يقطعها، ويتهم من أعطاه تلك الأدلة.
قال الثاني: ولكنهم يستدلون لذلك بأدلة غاية في القوة:
إنهم ينقلون عن أبي اسحق الشاطبي (ت790هـ) قوله في كتابه الخطير
(الموافقات):(إن