كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحدَّ؛ فأضافوا إليه كل علم
يذكر للمتقدمين، أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم، والمنطق، وعلم
الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون، من أهل الفنون، وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على
ما تقدم لم يصح..} [1]
ثم يذكر أخطر دليل، فيقول:(وإضافة إلى هذا فإن السلف الصالح، من الصحابة،
والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن، وبعلومه، وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه
تكلم أحد منهم في شئ من هذا المدعى، سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف،
وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض، ونظر، لبلغنا منه ما يدلنا
على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على
أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشئ، مما زعموا)
بل إن الشاطبي يرى فوق ذلك كله أن المعاني، التي لا عهد للعرب بها، غير
معتبرة فيقول:(وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ ﴾(النحل:8)، وقوله تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي
الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ (الأنعام:38)،
ونحو ذلك.. فأما الآيات فالمراد بها عند المفسرين: ما يتعلق بحال التكليف والتعبد،
أو المراد بالكتاب في قوله تعالى:﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ
شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾(الأنعام:38) اللوح المحفوظ،
ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع تلك العلوم، النقلية، والعقلية.. فليس بجائز
أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، كما أنه لا يصلح أن ينكر منه ما يقتضيه، ويجب
الاقتصار في الاستعانة على فهمه، على كل ما يضاف علمه، إلى العرب خاصة، فبه يوصل
إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه