وكان الله يريدها من خطابه إياهم لزم على ذلك أن يكون القرآن غير بليغ،
لأنه لم يراع حال المخاطب؟ وإن كانوا يعرفون هذه المعاني، فلم لم تظهر نهضة العرب
العلمية، من لدن نزول القرآن، الذي حوى علوم الأولين والآخرين؟
وأما الناحية الاعتقادية.. فقد أنزل الله القرآن إلى الناس كافة حتى قيام
الساعة، ولو ذهبنا مذهب من يحمل القرآن كل شئ، وجعلناه مصدراً للعلوم، لكنا بذلك
قد أوقعنا الشك في عقائد المسلمين نحو القرآن الكريم، وذلك لأن قواعد العلوم، وما
تقوم عليه من نظريات لا قرار لها ولا بقاء. ولو ذهبنا إلى تقصيد القرآن، ما لم
يقصد، من نظريات، ثم ظهر بطلان هذه النظريات فسوف يتزلزل اعتقاد المسلمين في
القرآن الكريم. لأنه لا يجوز للقرآن أن يكذب اليوم، ما صححه بالأمس[1].
ولكنه مع هذا يرى أن في القرآن إعجازا علميا هو في عدم مخالفته ما يذكره
المعاصرون من علوم.. لقد قال في هذا:(وحسبهم أن لا يكون في القرآن نص صريح يصادم
حقيقة علمية ثابتة) أليس كون القرآن لا يصادم حقائق علمية ثابتة معجزة علمية؟)
قال الأول: كل ما ذكرته أقوال اجتهادية، وفهوم بشرية، قد تحترم، وقد لا
تحترم، وأنا شخصيا لا أحترمها، ولا أظن أن عاقلا يرى احترامها.
قال الثاني: كف عن غلوك وتطرفك.. كيف تقول هذا عن كلام علماء أعلام لهم
جاههم وخدماتهم الكبيرة للدين!؟
قال الأول: أنا لا أنكر خدماتهم، ولكني أنكر سوء فهمهم.. وأنكر احتكارهم
للقرآن.. هم يريدون منا أن نتعامل مع القرآن الكريم كما نتعامل مع المعلقات
السبع..
هم ـ من حيث لا يشعرون ـ يجعلون الله كأولئك الشعراء الذين ضاقت بهم أجواء
البيئة