إن هذا النص القصير بموازين ما ورد في الكتاب المقدس من نصوص مطولة عن
الأنساب والمطاعم والمشارب [1] يحوي أخطاء كثيرة جدا لا يمكن أن تغتفر[2]:
لقد ذكر هذا النص أنه في اليوم الأول خلق الله الليل والنهار، وفي اليوم
الثاني خلق الله السماء، وفي اليوم الثالث خلق الله البر والبحر والنباتات، وفي
اليوم الرابع خلق الله الشمس والقمر والنجوم، وفي اليوم الخامس خلق الله أسماك
البحر والزواحف وطيور السماء، وفي اليوم السادس خلق الحيوانات الأليفة والمفترسة
والإنسان[3].
كل هذه المخلوقات موجودة.. ولا جدل في وجودها.. ولكن الجدل في الترتيب الذي
رتبت به.. إنها كمن يرتب أحداث التاريخ، فيجعل عصرنا قبل العصور الوسطى، بل كمن
[2]طبعا.. فإن هذا
النقد الموجه هنا للتوراة ليس للتوراة التي أنزلها الله على موسى u، وإنما هو نقد
للتوراة المحرفة، وإبراز للتحريف الذي نص القرآن الكريم على حصوله لها.
أما التوراة الحقيقية فقد ورد في فضلها
النصوص الكثيرة كقوله تعالى:﴿)إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا
هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ
هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ
اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)(المائدة: من الآية44)، وقوله
تعالى:﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ
أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا
يَعْمَلُونَ) (المائدة:66) انظر تفاصيل ذلك في (الكلمات المقدسة)
[3]ولا يصح ما
روي من تأييد ذلك في كتب الحديث، من مثل حديث أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بيدي
فقال:« خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها
يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها
الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة،
فيما بين العصر إلى الليل » (تفسير ابن أبي حاتم (1/103) وصحيح مسلم برقم (2789)
وسنن النسائي الكبرى برقم (11010)
وقد قال ابن كثير في هذا الحديث:« وهذا الحديث من غرائب صحيح
مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام
كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة
فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي » انظر: تفسير ابن كثير: 1/215، وأنظر:
الأسماء والصفات للبيهقي (ص276)