ثم انطلق عبد المطلب مع رسول أبرهة إليه،
فلما استؤذن لعبد المطلب، قالوا لأبرهة: هذا سيد قريش، فأذن له.
فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه عن أن يجلسه
تحته، وكره أن تراه الحبشة معه على سرير ملكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على
بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال له: حاجتك؟ فذكر عبد المطلب أباعره التي
أخذت له فقال أبرهة: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتك، أتكلمني عن
مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه لا تكلمني
فيه؟ قال له عبد المطلب: أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه.
فرد أبرهة على عبد المطلب الإبل، فانصرف
إلى قريش، فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز بالجبال والشعاب تخوفا
عليهم معرة الجيش، وقد كانوا أكثر من قريش عددا.
ثم قام عبد المطلب، فأخذ بحلقة باب
الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجيشه.
وكان مما قال عبد المطلب، وهو آخذ بحلقة
باب الكعبة:
لا هم أن العبد
يمنع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن
صليبهم ومحالهم غدوا محلك
إن كنت تاركهم وقبلتنا
فأمر ما بدا لك
فأما أبرهة فوجه جيشه وفيله لما جاء له،
فبرك الفيل دون مكة لا يدخلها، وجهدوا في حمله على اقتحامها فلم يفلحوا[1].
[1] وهذه الحادثة ثابتة بقول رسول الله a يوم الحديبية حين بركت ناقته القصواء دون مكة،
فقالوا: خلأت القصواء (أي حرنت)، فقال رسول الله a:«ما خلأت القصواء، وما
ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل »
وفي الصحيحين أن رسول الله a قال يوم فتح مكة:« إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط
عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ
الشاهد الغائب »