responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : سلام للعالمين نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 205

الأشكال كأفكار في العقل الإلهيّ.

الثالوثية:

بقيت مدة في صحبة أفلوطين.. ومن معه كجُوهانْس سكوتَسْ أريجِينا[1].. وبورفيري [2].. وبروكلس.. وغيرهم كثير.. ومع أني وجدت لذة كبيرة في تلك الأجواء التي كنت أعيشها معهم إلا أن عقلي مع ذلك ثار علي، فلم أكن أدري هل ما كنت أعيش فيه حقائق عليا ينبغي التسليم لها.. أم أنها مجرد أوهام وخرافات وأحلام يقظة، وليس لها أي علاقة بالحقيقة.

في تلك الأيام زارنا رجل مسيحي كان يحمل مبادئ بسيطة.. ولكنها جميلة.. ولكنه لم يكن مقتنعا بها.. فقد كانت له أشواق روحية مع عقل فلسفي، ولم يستطع أن يمزج بينهما، فجاءنا يطلب منا أن نعلمه من مبادئنا ما يستطيع به أن يحول المسيحية إلى ديانة ممتلئة بالأشواق الروحية السامية.. والإشراقات النوارنية الفائضة.. والعقل الفلسفي الحكيم..

كان اسم هذا الرجل الذي تحول قديسا فيما بعد هو (أوغسطين)[3].. وقد استطاع


[1] هو أريجِينا، جُوهانْس سكوتَسْ (810 - 877م)، هو فيلسوف ولاهوتي أيرلندي عرف بثقافته الواسعة، وقد بدأ أولى المحاولات لتحقيق فلسفة نصرانية منظمة.. ومن أشهر كتبه تقسيمات الطبيعة. أقر نظرية تعتمد على مبادئ الأفلاطونية المحدثة، وكان يقول إن الفكر والوجود يبدآن وينتهيان بالله، وهو فوق الوجود والفكر، واعتُبِر أريجينا على أثر هذه المبادئ صاحب بدعة، وشجبت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية كتاباته.

[2] هو بورفيري (233 - 304م). فيلسوف ينتمي إلى الأفلاطونية المحدثة، وصف كيف أن جميع الخصائص التي ينسبها الناس إلى الأشياء يمكن تصنيفها. وكان لهذا الموضوع الذي عرضه في كتابه مقدمة للمقولات تأثير كبير في الفلسفة في القرون الوسطى، كما أثار مسألة وضع القضايا الكلية التي شغلت أذهان علماء المنطق لمئات السنين. وهو من مواليد صور، ودرس في أثينا ثم سافر إلى روما حيث انضم إلى أفلوطين.

[3] أشير به إلى القديس أوغسطين (354 - 430).. وهو أحد أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية.. بل تعتبره الكنيستان الكاثوليكية والأنغليكانية قديسا، وأحد آباء الكنيسة البارزين، وشفيع المسلك الرهباني الأوغسطيني.. كما يعتبره العديد من البروتستانت، وخاصة الكالفنيون أحد المنابع اللاهوتية لتعاليم الإصلاح البروتستانتي حول النعمة والخلاص.. وتعتبره بعض الكنائس الأورثوذكسية مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قديسا.

وهو يتحدّر من أصول أمازيغية على الأغلب.. ولد في تغسات عام 354 (حاليا سوق أهراس، بالجزائر) التي كانت مدينة تقع في إحدى مقاطعات مملكة روما في شمال أفريقيا.. وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره أرسلته أسرته إلى (مداورش)، مدينة نوميدية تقع 30 كلم جنوبي تغسات. وفي عمر السابعة عشرة ذهب إلى قرطاج لإتمام دراسة علم البيان.

كانت أمه مونيكا أمازيغية ومسيحية مؤمنة، أما والده فكان وثنيا.. ورغم نشأته المسيحية إلا أنه ترك الكنيسة ليتبع الديانة المانوية خاذلا أمه، وفي شبابه عاش أوغسطين حياة متعية وفي قرطاج، كانت له علاقة مع امرأة صارت خليلته لمدة 15 عاما.. وخلالها ولدت له خليلته ابنا حمل اسم أديودادتوس..

كان تعليمه في موضوعي الفلسفة وعلم البيان، علم الإقناع والخطابة.. وبعد أن عمل في التدريس في تغسات وقرطاج انتقل عام 383 إلى روما لظنّه أنها موطن خيرة علماء البيان، إلا أنه سرعان ما خاب ظنه من مدارس روما وعندما حان الموعد لتلاميذه أن يدفعوا ثمن أتعابه قام هؤلاء بالتهرب من ذلك. بعد أن قام أصدقاءه المانويين بتقديمه لوالي روما، الذي كان يبحث عن أستاذ لعلم البيان في جامعة ميلانو، تم تعيينه أستاذا هناك واستلم منصبه في أواخر عام 384.

في ميلانو بدأت حياة أوغسطين بالتحول. من خلال بحثه عن معنى الحياة بدأ يبتعد عن المانوية منذ أن كان في قرطاج، خاصة بعد لقاء مخيب مع أحد أقطابها. وقد استمرت هذه التوجهات في ميلانو إذ ذهبت توجهت أمه إليها لإقناعه باعتناق المسيحية كما كان للقائه بأمبروزيوس، أسقف ميلانو، أثرا كبيرا على هذا التحول.

وقد أعجب أوغسطين بشخصية أمبروزيوس وبلاغته وتأثر من موعظاته فقرر ترك المانوية إلا أنه لم يعتنق المسيحية فورا بل جرّب عدة مذاهب وأصبح متحمسا للأفلاطونية المحدثة.

وفي صيف 386، بعد قراءته سيرة القديس أنطونيوس الكبير وتأثره بها قرر اعتناق المسيحية، وترك علم البيان ومنصبه في جامعة ميلانو والدخول في سلك الكهنوت، فقام أمبروزيوس بتعميده وتعميد ابنه في عام 387 في ميلانو. وفي عام 388 عاد إلى إفريقيا وقد توفيت أمه وابنه في طريق العودة تاركين اياه دون عائلة.

بعيد عودته إلى تغسات قام بتأسيس دير.. وفي عام 391 تمت تسميته كاهنا في إقليم هيبو (اليوم عنابة في الجزائر)، وأصبح واعظا شهيرا (وقد تم حفظ أكثر من 350 موعظة تنسب إليه يعتقد أنها أصيلة)، وقد عُرِف عنه محاربته المانوية التي كان قد اعتنقها في الماضي.

وفي عام 396 تم تعيينه أسقفا مساعدا في هيبو وبقي أسقف خيبو حتى وفاته عام 430 رغم تركه الدير إلا أنه تابع حياته الزاهدة في بيت الأسقفية الأنظمة الرهبانية التي حددها في ديره أهلته أن يكون شفيع الكهنة.

توفي أوغسطين وعمره 75 بينما كان الفاندال يحاصرون هيبو، ويُزعم أنه شجع أهل المدينة على مقاومة الفاندال وذلك لاعتناقهم الاريوسية.. ويُقال أيضا أن توفي في اللحظات التي كان الوندال يقتحمون أسوار المدينة.

وقد تحدثنا عنه وعن فلسفته وعلاقتها بالمسيحية في رسالة (أسرار الإنسان) من هذه السلسلة.

نام کتاب : سلام للعالمين نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 205
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست