ولكن بدأت أقول: الفكر هو
المركز والحقائق تدور حوله، وأبسط الحقائق هو الإحساس.. فما يزعمه الناس حول
الإحساس انه انعكاس الحقيقة على الذهن، ولكن أقول بل هو صبغة الذهن للحقائق.. أنا
أقول: صحيح أن هناك حقائق نحس بها، ولكن لم يكن من الممكن الإحساس بها الا في حدود
الزمان والمكان.. ولدى التعمق أكثر من هذا، نرى أن الزمان لا يعني سوى نسبة
الإنسان إلى الأحداث.. وأما المكان فهو نسبة الإنسان.. أي الفكر.. إلى الأشياء.
فاليوم يعني: تقارن إحساسي مع
دورة الشمس، والمكان القريب يعني: قربي إليه.. ونستطيع تشبيه الزمان والمكان بظرف
بلور نضع فيه الماء فيصطبغ الماء بلون الظرف، فنعتقد نحن أن اللون من الماء، ولكن
الظرف فقط واهب اللون، وكذلك نحن نزعم الحقيقة في الزمان والمكان، والواقع هو أننا
نحن نعيش عبر المحدودية الزمانية والمكانية، لا أن الحقائق هي التي تعيش.
قلت: فأنت تعتبر الحقيقة هي الإحساس
مصبوغا بصبغة ذاتية هي صبغة الزمان والمكان.
قال: أجل.. فالحقيقة كما هي في
واقعها - أو كما هي في ذاتها - لا يمكن أن تعرف، لأننا لا نملك إلا أداة محدودة
للمعرفة، وهي أداة الذهن التي تعيش ضمن وقت ومحل محدودين.. فالحقيقة إنما تعرف
بنسبة معينة.
تأمل في وجهي قليلا، ثم قال:
ولذلك فإن بحوث الميتافيزيقيا (الغيب) بعيدة عن إحاطة الإنسان، لأنها مجردة عن
الزمان والمكان.. أما بحوث الرياضيات فإنها أيضا لا تعكس الحقائق، ولكنها صحيحة
حسب أفكارنا إذ أنها تكرير لحقيقتي الزمان والمكان.. فالحساب مجموعة أعداد، والعدد
ليس إلا انعكاس الذهن على شاشة الأشياء.. وكذلك الهندسة، فهي تحديد للأماكن
القريبة والبعيدة ونوع قربها وبعدها عني.
قلت: فأنت تفرق بين العلوم في
علاقتها بالحقيقة المجردة؟