بصر العين موسوم بأنواع
النقصان: فإنه يبصر غيره ولا يبصر نفسه، ولا يبصر ما بعد منه، ولا يبصر ما هو وراء
حجاب.. ويبصر من الأشياء ظاهرها دون باطنها؛ ويبصر من الموجودات بعضها دون كلها..
ويبصر أشياء متناهية ولا يبصر ما لا نهاية له. ويغلط كثيرا في إبصاره: فيرى الكبير
صغيرا والبعيد قريبا والساكن متحركا والمتحرك ساكنا)
ثم قال متسائلا: (فهذه سبع
نقائص لا تفارق العين الظاهرة.. فإن كان في الأعين عين منزهة عن هذه النقائص كلها
فليت شعري هل هو أولى باسم النور أم لا؟)
ثم أجاب: (اعلموا أن في قلب
الإنسان عينا هذه صفة كمالها وهي التي يعبر عنها تارة بالعقل وتارة بالروح وتارة
بالنفس الإنساني.. ودع عنك العبارات فإنها إذا كثرت أوهمت عند ضعيف البصيرة كثرة
المعاني، فنعني به المعنى الذي يتميز به العاقل عن الطفل الرضيع وعن البهيمة وعن
المجنون. ولنسمه (عقلا) متابعة للجمهور في الاصطلاح فنقول: العقل أولى بأن يسمى
نورا من العين الظاهرة لرفعة قدره عن النقائص السبع)
قالت زرقاء: فاذكري لي القصور
الأول.
قالت: القصور الأول هو أن العين
لا تبصر نفسها، والعقل يدرك غيره ويدرك صفات نفسه.. إذ يدرك نفسه عالما وقادرا..
ويدرك علم نفسه.. ويدرك علمه بعلم نفسه وعلمه بعلمه بعلم نفسه إلى غير نهاية..
وهذه خاصية لا تتصور لما يدرك بآلة الأجسام.
قالت زرقاء: فاذكري لي القصور
الثاني.
قالت: القصور الثاني هو أن
العين لا تبصر ما بعد منها ولا ما قرب منها قربا مفرطا، بينما العقل يستوي عنده
القريب والبعيد: يعرج في تطريفه إلى أعلى السموات رقيا، وينزل في لحظة إلى تخوم
الأرضين هربا.. بل إذا حقت الحقائق يكشف أنه منزه عن أن تحوم بجنبات قدسه معاني
القرب والبعد الذي يفرض بين الأجسام، فإنه أنموذج من نور الله تعالى، ولا يخلو
الأنموذج عن محاكاة، وإن كان لا يرقي إلى ذروة المساواة.