قالت: القصور الثالث هو أن
العين لا تدرك ما وراء الحجب، والعقل يتصرف في العرش والكرسي وما وراء حجب
السموات، وفي الملأ الأعلى والملكوت الأسمى كتصرفه في عالمه الخاص ومملكته القريبة
أعني بدنه الخاص.. بل الحقائق كلها لا تحتجب عن العقل، وأما حجاب العقل حيث يحجب
فمن نفسه لنفسه بسبب صفات هي مقارنة له تضاهي حجاب العين من نفسه عند تغميض
الأجفان.
قالت زرقاء: فاذكري لي القصور
الرابع.
قالت: القصور الرابع هو أن
العين تدرك من الأشياء ظاهرها وسطحها الأعلى دون باطنها؛ بل قوالبها وصورها دون
حقائقها، بينم يتغلغل العقل إلى بواطن الأشياء وأسرارها ويدرك حقائقها وأرواحها،
ويستنبط سببها وعلتها وغايتها وحكمتها، وأنها من خلق، وكيف خلق، ولم خلق، ومن كم
معنى جمع وركب، وعلى أي مرتبة في الوجود نزل، وما نسبته إلى خالقها وما نسبتها إلى
سائر مخلوقاته.
قالت زرقاء: فاذكري لي القصور
الخامس.
قالت: القصور الخامس هو أن
العين تبصر بعض الموجودات فقط دون جميع المعقولات، بل دون كثير من المحسوسات، فهي
لا تدرك الأصوات والروائح والطعوم والحرارة والبرودة والقوى المدركة من السمع
والبصر والشم والذوق، بل الصفات الباطنة النفسانية كالفرح والسرور والغم والحزن
والألم واللذة والعشق والشهوة والقدرة والإرادة والعلم إلى غير ذلك من موجودات لا
تحصى ولا تعد؛ فهو ضيق المجال مختصر المجرى لا تسعه مجاوزة الألوان والأشكال وهما
أخس الموجودات: فإن الأجسام في أصلها أخس أقسام الموجودات، والألوان والأشكال من
أخس أعراضها.
بينما الموجودات كلها مجال
العقل؛ إذ يدرك هذه الموجودات التي عددناها وما لم