responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : سلام للعالمين نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 344

وقد شدني منها خطبة كانت تردد كثيرا، وبأصوات جميلة، كانوا يطلقون عليها خطبة المتقين، وقد رأيتها تصور الشخصية الإنسانية في قمة كمالها وجمالها، وقصتها كما ذكر لي هي: أن صاحبا لأمير المؤمنين يقال له همام كان رجلا عابدا، فقال له: يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم، فتثاقل عن جوابه، ثم قال: يا همام اتق الله وأحسن، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، فلم يقنع همام بهذا القول حتى عزم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم، ثم قال: (أما بعد، فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم، لانة لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه، فقسم بينهم معايشهم، ووضعهم من الدنيا مواضعهم. فالمتقون فيها هم أهل الفضائل: منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع. غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم. نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء. لو لا الاجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذبون.. قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة.. صبروا أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة، تجارة مربحة، يسرها لهم ربهم.. أرادتهم الدنيا ولم يريدوها، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها.. أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لاجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقا، وظنوا أنها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم وأكفهم، وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى

نام کتاب : سلام للعالمين نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 344
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست