هنود القارة الأمريكية على
أيدي المسيحيين الأسبان)[1]..
لعلكم تعرفونه.. إنه ذلك الكتاب المليء بالدماء.. وفيه رواية شاهد عيان لإبادة
ملايين البشر في الأمريكتين.
لقد ذكر لي هذا الكاتب الناقم
كيف كان المسيحيون الإسبان يسمون المجازر عقابا وتأديبا لبسط الهيبة وترويع الناس،
وذكر لي أن أول ما كانوا يفعلونه عندما يدخلون قرية أو مدينة هو ارتكاب مجزرة
مخيفة فيها.. مجزرة ترتجف منها أوصال هذه النعاج المرهفة.
وذكر لي أنه كثيرا ما كان يقف
القاتل والمبشر في محل واحد.. أما القاتل، فهو يذبح ضحيته أو يحرقها أو يطعمها
للكلاب.. أما المبشر الواقف أمامه فهو حريص على أن لا تلفظ الضحية أنفاسها قبل أن
يتكرم عليها بالعماد، فيركض إليها لاهثا يجرجر أذيال جبته وغلاظته وثقل دمه
لينصرها بعد أن نضج جسدها بالنار أو اغتسلت بدمها، أو التهمت الكلاب نصف أحشائها.
وذكر لي كيف كان المسيحيون
الإسبان يتفننون ويبتدعون ويتسلون بعذاب البشر وقتلهم.. ذكر لي كانوا يجرون الرضيع
من بين يدي أمه ويلوحون به في الهواء، ثم يخبطون
[1]
هذا الكتاب من تأليف المطران برتولومي دي لاس كازاس. ترجمة سميرة عزمي الزين. من
منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية.
ومما يدل على
أهمية الكتاب ما قاله المؤرخ الفرنسي الشهير (مارسيل باتييون) عن مؤلف الكتاب
(برتولومي دي لاس كازاس): إنه أهم شخصية في تاريخ القارة الأمريكية بعد مكتشفها
(كر يستوف كولومبوس) وأنه ربما كان الشخصية التاريخية التي تستأهل الاهتمام في عصر
اجتياح المسيحيين الأسبان لهذه البلاد.. ولولا هذا المطران الكاهن الثائر على
مسيحية عصره وما ارتكبه من فظائع ومذابح في القارة الأمريكية لضاع جزء كبير من
تاريخ البشرية.. فإذا كان كولومبوس قد اكتشف لنا القارة، فان برتولومي هو الشاهد
الوحيد الباقي على أنه كانت في هذه القارة عشرات الملايين من البشر الذين أفناهم
الغزاة بوحشية لا يستطيع أن يقف أمامها لا مستنكرا لها، شاكا في إنسانية البشر
الذين ارتكبوها)