وكل ذلك لا يتم إلا تحت نظام سياسي يسوس الرعية ويؤمها
ويحفظ نظامها.. ولذلك كان حفظ هذا النظام مقصدا من مقاصد الدين.. وكان البغي الذي
هو تحطيم هذا النظام خرقا خطيرا لتلك المقاصد الرفيعة التي لا تستقر الحياة إلا
بها.
ولهذا بدأت الشريعة في توفير هذه القناعات وتربية النفوس
عليها بوضع نظام سياسي ممتلئ بالعدالة.. نظام يعتمد على حاكم تقي ورع عالم خبير
يملأ الأرض التي يليها عدلا وأمانة ورحمة.. فليس هناك شيء يقطع دابر البغي والبغاة
مثل العدالة.
بعد ذلك حرمت الشريعة نكث البيعة إلا في الضرورات القصوى..
ففي الحديث قال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم : (
ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل
على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل، ورجل بايع رجلا سلعة بعد العصر فحلف بالله
لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا،
فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف)[1]
بعد ذلك حرمت البغي.. وهو الخروج على الإمام ولو جائرا إلا
للضرورة الشديدة، قال تعالى :﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ
يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (الشورى:42)
وفي الحديث قال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم : (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا
يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد)[2]
وقال: (ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في
الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم)[3]