إن الفقيه المسلم مقيد بالنصوص المحكمة الثابتة من القرآن
والسنة.. وهي المجزوم بثبوتها، القاطعة في دلالتها..
لقد أراد الشارع الحكيم من تلك النصوص أن تلتقي عندها
الأفهام، ويرتفع عندها الخلاف، وينعقد عليها الإجماع، فهي أساس الوحدة الفكرية
والسلوكية، للمجتمع المسلم، وهي للأمة كالجبال للأرض تمسكها أن تميد، وتحميها أن
تضطرب وتتزلزل.
ومع هذا التقيد الملزم، يجد الفقيه المسلم نفسه في حرية
واسعة أمام المنطقة التي تركتها النصوص ـ قصدا ـ لاجتهاد أولي الأمر بما يحقق
المصلحة العامة، ويرعى المقاصد الشرعية، من غير أن يقيدنا الشارع فيها بأمر أو
نهي.
لقد ورد النص على هذه المنطقة في قوله a : (الحلال ما أحل الله في كتابه،
والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو ما عفا عنه)[1]
وفي حديث آخر قال a : (ما أحل الله تعالى في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام وما سكت
عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عاقيته، فان الله لم يكن لينسى شيئا)[2]
وفي حديث آخر قال a : ( إن الله تعالى حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعوها،
وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم
فاقبلوها ولا تبحثوا عنها)[3]
فالحدود التي قدرها الشرع، لا يجوز اعتداؤها، وما عداها أمور
مسكوت عنها، متروكة للاجتهاد..
قال الرجل: ألا ترى أن في هذه المنطقة تقصيرا من الشريعة؟