تلك الأجناس التي تذوب في زعمائها وقادتها الروحيين منشغلة عن حياتها
ومصيرها بحياة غيرها ومصيرها..
قام رجل من الجمع، وقال بنوع من السخرية لم يلتفت لها الدكتور منجل: فما
العلاج لهذا المرض.. فإنا كلنا مصابون به.. فنحن من الأجناس التي تحدثت عنها؟
قال الدكتور منجل: لقد ذكرت لكم العلاج.. العلاج بسيط.. فقط يحتاج منكم
إلى إرادة.. إرادة تجعلكم تقطعون تلك الحبال التي تصلكم بالوهم.. وتسقيكم بالسراب.
ما قال الدكتور منجل هذا حتى وفد إلى الجمع رجل هو كالشمس، أو قريب من
الشمس، كان أشبه الناس برجال الله من الورثة الذين ذكرت لك بعض أخبارهم، وقد علمت
بعد ذلك أن اسمه (علي الرضا)[1]، عندما وصل إلى المجلس راح يصيح بصوت عال،
وكأنه كان حاضرا معنا: دعنا من كل هذه الأحاديث العامة حضرة الدكتور منجل.
رأيت وجه الدكتور منجل تغير تغيرا شديدا، فقد تعجب أن ينطق هذا الرجل
الغريب باسمه، ولعله خشي أن يكون ملما بما كان يفعله، فخشي الفضيحة لذلك..
استأنف الرضا كلامه قائلا: عد بنا إلى الحقيقة – حضرة الدكتور – تلك الحقيقة التي لا تستطيع الألفاظ الرنانة
أن تتلاعب بها.. ولا يستطيع سحر الألفاظ أن يصرف الوجوه عنها.
تنفس الدكتور منجل الصعداء، ثم قال: لم أفهم قصدك.. ماذا تريد بالضبط؟
قال الرضا: لقد أتيتنا بدعوى، وتريد منا تصديقها.. والدعاوى تحتاج إلى
البراهين الدالة
[1] أشير به إلى سليل النبوة، ومعدن الرسالة،
وينبوع العلم، ثامن خلفاء الرسول a الاثنا عشر – حسب مذهب الإمامية - الامام علي بن موسى الرضا – رضوان الله عليهم جميعا –
وقد اخترناه في هذا المحل لرسالة
طبيبة طيبة تنسب إليه وقد روي في سبب تأليفه لها أن المأمون أراد معرفة أصول حفظ
صحة المزاج، وتدبيره بالأغذية والاشربة والادوية مستقاة من منبعها العذب، فطلب من
الامام الرضا بيان ذلك، وكرر الطلب، فكتب اليه هذه الرسالة، فلما وصلت الى المأمون
أمر بأن تكتب بماء الذهب.