وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله.. وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته،
وصدق معاملته.. وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار إليه.. وفيه نيران
حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت
لقائه.. وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص
له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً)
إنها الفطرة التي لم يملك مشركو العرب في جاهليتهم أن ينكروها مكابرةً
وعناداً.. قال تعالى مخبرا عنهم:﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)
﴾ (العنكبوت)، وقال:﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ
(9)﴾ (الزخرف)
لقد قرأت لبعض الملاحدة الذين اشتهروا بالشك في الدين والتشكيك فيه،
كلمات عجيبة، يطالب فيها قراءه ألا يصدقوه إذا كتب هو نفسه وبقلمه ما ينفي عنه
الإيمان، أو يخلع عليه الإلحاد.. لقد قال: (لو أردت من نفسي وعقلي أن يشكا لما
استطاعا، ولو أرادا مني أن أشك لما استطعت. ولو أني نفيت إيماني بالقول لما صدقت
أقوالي، فشعوري أقوى من كل أقوالي! ماذا لو أن إنساناً قال: إنه لا يحب نفسه أو لا
يحب الحياة، فهل تصدقه؛ أو هل يصدق هو كلامه؟ هل يمكن أن ننفي أنفسنا أو إحساسنا
بها بالكلام؟ إن الحقائق الكبيرة لا تسقطها الألفاظ. كذلك الإيمان بالله والأنبياء
والأديان من الحقائق القوية التي لا يمكن أن تضعفها أو تشكك فيها الكلمات التي قد
تجيء غامضة أو عاجزة لأن فورة من الحماس قد أطلقتها.
إن إيماني يساوي: أنا موجود إذن أنا مؤمن -أنا أفكر إذن أنا مؤمن- أنا
إنسان إذن أنا مؤمن!)
ورحم الله العبد الصالح الذي قال: (إلهي ماذا وجد من فقدك؟! وماذا فقد من
وجدك؟! لقد خاب من رضي دونك بدلاً، وخسر من بغى عنك حولاً)