أولئك المسلمون الطيبون.. فقد كانت الحروب الصليبية قد استعر أوراها،
وبدأت تلوح علامات الهزيمة للصليبيين، وبلغ ضعف الحماس الديني في نفوس الأوربيين
مبلغاً كبيراً، وفقد المقاتلون ثقتهم في الكنيسة نتيجة لخيبة أملهم في النصر الذي
وعدتهم وعداً قاطعاً، ولم يروا للمسيح والملائكة والقديسيين أثر في معاركهم، بل
على العكس تخيلوا أنهم يقفون ضدهم تماماً، وبذلك اهتز موقف الكنيسة وأيقنت أن
وعودها المعسولة بالنصر، وقراراتها الشفوية بالمغفرة للمشتركين في الحرب لم تعد
تؤدى مفعولاً مؤثراً، فقررت الكنيسة تجسيد هذه الأماني في وثيقة خطية محسوسة
يحملها المقاتل، ويندفع للاشتراك في الحملة الصليبية وهو على ثقة وعزم.
وتنفيذاً لذلك استخدمت من جديد (صكوك الغفران) لأداء أرذل وظيفة..
لقد كانت ـ كما ذكر المؤرخون ـ توزع على المشتركين في الحروب الصليبية ضد
المسلمين..
وبهذا.. أصبجت هذه الصكوك حكرا على أحد رجلين:
إما صاحب مال.. يشترى الصك من الكنيسة حسب التسعيرة التي تحددها.
أو صاحب سيف.. يبذل دمه في سبيل نصرة الكنيسة والدفاع عنها وحراسة مبادئها.
أما ما عدا هذين.. فيظل محروما لا يملك ثمن الصك.. ولذلك يظل المسكين
أسير صراع نفسي مرير وشعور بالحرمان قاتل.
وهكذا فالكل مضحون، والكل خاسرون، والكنيسة هي الرابح الوحيد من هذه
الصكوك..
لم يجد القس ما يجيبه به، فراح السجين يلتفت إلى زملائه، ويقول: أتدرون
ما نهاية هذه الصكوك المشؤومة؟