وأخوة نبي الله يوسف (عليه السلام) إنما قاموا تجاهه بتلك الجريمة
النكراء، حيث ألقوه في قاع الجبّ، وهو ذلك الصغير الوديع المتفرد في جماله وحسنه،
إنما صنعوا ذلك لانحراف نفسي أصابهم، قال تعالى على لسان أبيهم يعقوب (عليه
السلام):﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)﴾ (يوسف)
والحسد حالة مرضية نفسية بين الأفراد أو الأمم والمجتمعات، قال تعالى:﴿
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)﴾ (البقرة)
والتكبر مرض يعشعش في أرجاء النفس، قال تعالى:﴿ وَقَالَ الَّذِينَ
لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى
رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا
(21)﴾ (الفرقان)
والإعراض عن دين الله ورسالة الأنبياء إنما ينشأ من حالة انحراف نفسي
يطلق عليه القرآن (سفاهة)، قال تعالى:﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ... (130)﴾ (البقرة)
ولهذا، فإن أهم يما يجب على العاقل تطهير نفسه.. لأن ذلك مفتاح سعادته..
وهو مفتاح الاستخدام السليم لما منحه الله من طاقات وقدرات.. أما مع انحراف النفس
فكل المكاسب والإمكانات التي ينالها الإنسان في هذه الحياة قد تصبح وبالاً عليه،
ووسائل دمار تصيبه والآخرين بالشر والضرر.
فالعلم أو المال أو القوة أو الجمال أو أي إمكانية أخرى إذا كانت تحت
تصرف نفس شريرة فاسدة، أو تَحْكُمُها قراراتٌ شهوانية من وحي الهوى، فإنها قد تجلب
الخسار والشقاء والدمار لصاحبها وللآخرين.