بعد أن ذكر الصبي الأول ما يكفي من الأدلة على احترام الإسلام لحق
الوجود، تقدم الصبي الثاني، وهو عمير، وقال - بشجاعة لا تقل عن شجاعة صديقيه-: أنا
عمير.. وهو اسم يذكرني بصاحب من أصحاب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم..
صحبه صبيا.. كان اسمه أبا عمير، وقد ورد موقف لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
يرتبط به، ففي الحديث: كان رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم يدخل على أم سليم
ولها ابن من أبي طلحة، يكني أبا عمير، وكان يمازحه، فدخل عليه فرآه حزينا فقال:
(ما لي أرى أبا عمير حزينا؟) قالوا: يا رسول الله مات نغره الذي كان يلعب به فجعل
يقول: (أبا عمير ما فعل النغير[1] ؟)[2]
لقد تحدث صاحبي أسامة عن حق الوجود.. وسأحدثكم أنا عن حق الحياة.
ابتسم يونسيف، وقال: ألا ترى أن الوجود والحياة شيء واحد؟
قال عمير: لا.. حق الوجود مرتبط بالحي قبل وجوده.. وأما حق الحياة،
فمرتبط به بعد وجوده.
قال يونسيف: لا بأس.. فما شرع الإسلام في هذا؟
قال عمير: لقد شرع الإسلام في هذا كل ما يحفظ الحياة الكريمة للولد من
أول أيام حياته إلى الوقت الذي يستطيع أن يقوم فيه بنفسه بعيدا عن حضانة والدية.
وأول ذلك أنه أوجب على الأم إرضاع ابنها رضاعة طبيعية.. قال تعالى:﴿
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ
أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ (البقرة:233)، إن هذه الآية الكريمة تبين حرص
الشريعة على إرضاع الصبي مهما كان حال الأسرة التي ينتمي إليها..
وهي تدل في نفس الوقت على أن الرضاع واجب لا يكفي فيه أي بديل إلا إذا
حكم الطبيب المختص بعدم صلاحية لبن الأم للرضاعة أو عدم استعداد الرضيع لرضاعتها.
[1] النغير: طائر يشبه
العصفور أحمر المنقار، ويجمع على نغران.