ليس ذلك فقط.. فالقرآن يخاطب المخالفين ليقول لهم بعد مناقشة
طويلة في الأدلة على وحدانية الله:﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى
أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ (سـبأ:24)
فهو في حواره مع المخالفين يعتبرهم مع المسلمين سواء في الهداية
أو الضلال، ثم يضيف على الفور في تنازل كبير:﴿ قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا
أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (سـبأ:24)، فيجعل اختياره
هو بمرتبة الإجرام على الرغم من أنه هو الصواب، ولا يصف اختيار الخصم بغير مجرد
العمل.
أما عن سلوكه a مع
المخالفين.. بل مع من لا يكتفون بالمخالفة المجردة، بل يضيفون إليها تدبير المكايد
لحرب الإسلام، مما يعتبر في عصرنا خيانة عظمى، فسأذكر لك ثلاثة نماذج مختلفة عنها،
لترى كيف كان a متسامحا.. ولا يمكن أن يكون المستبد متسامحا.
أما النموذج الأول، فهو تعامله a مع
المنافقين، ونختار للدلالة على ذلك رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول، قد كان
عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وإليه يجتمعون، وكان في محل بحيث يخاف أي زعيم من
أن ينقلب عليه.. فعندما قدم النبي a المدينة وعبد الله بن أبي سيد أهلها لا
يختلف عليه اثنان، لم يجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين
غيره حتى جاء الإسلام.
بل كان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه،
ثم يملكوه عليهم، فجاءهم الله عز وجل برسوله a وهم على ذلك
فما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن، ورأى أن رسول الله a قد استلبه
ملكا.. فلما أن رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرا على نفاق وضغن.