بل هو فوق ذلك أمر بأن يعيش جميع حياته ـ مهما فتح الله عليه من
الدنيا ـ بتواضع وزهد وبعد عن الملذات التي يتهافت عليه الناس، قال تعالى:﴿
لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا
تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الحجر:88)، وقال تعالى:﴿ وَلا
تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (طـه:131)
بل إن نساء النبي a اشتكين من شدة العيش التي كن يعشنها، فنزل القرآن الكريم
يخيرهن بين تلك الحياة التي فرضت على رسول الله a بحكم وظيفته الخطيرة، وبين السراح
للتمتع بما شئن من الحياة الدنيا، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ
كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ
أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)﴾ (الأحزاب)
التفت الحكيم إلى جيري، وقال: لقد كان ذلك في المدينة المنورة،
حيث كان النبي a هو
زعيمها الأوحد..
لقد كان في إمكانه حينها أن ينعم بأجمل حياة وأمتع حياة.. ولكنه
رفض كل ذلك، وعاش حياة لا يعيشها أدنى فقيرا رأيته في حياتك.
لن أجازف، فأتكلم كلاما من عندي، ولذلك سنذهب إلى التاريخ الذي
رضيت أن نعتبره حكما.. فالتاريخ هو الوحيد الذي يفسر تلك الآيات التي تبين كيف كان
النبي a في
حياته.
حدث ابن عباس قال: كنت أريد أن أسأل عمر عن قول الله
تعالى:﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ
تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ (التحريم:4)، فكنت أهابه حتى حججنا معه
حجة، فقلت: لئن لم أسأله في