لقد ورد في الحديث قوله a: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم فإنما أنا عبد،
فقولوا عبد الله ورسوله)[1]،
وفي حديث آخر: (لو شئت لسارت معي جبال الذهب، أتاني ملك إلى
حجرة الكعبة، فقال: إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: إن شئت كنت نبيا، ملكا وإن شئت
نبيا عبدا، فأشار إلى جبريل: أن ضع نفسك، فقلت: نبيا عبدا)[2]
قلت: ألا ترى أن ما ذكرته من وصف محمد
بالعبودية وما تقتضيه من تكاليف يتنافى مع ما يذكره العارفون من أن العبد يصل في
رحلته إلى الله إلى مقام تسقط عنه فيه التكاليف، وترتفع عنه بالتالي العبودية؟
احمر وجهه، وبدا عليه غضب، وقال: من قال
من العارفين ذلك؟.. إن العارفين أعظم من أن يقعوا في مثل هذه الترهات.. لقد صحبت
الكثير منهم، وعرفت في التاريخ سير أكثرهم، ولم أرهم يرددون إلا ما قاله أبو الحسين
النوري عندما قال: (من رأيته يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن حد علم شرعي، فلا
تقربنه، ومن رأيته يدعي حالة باطنة لا يدل عليها ويشهد لها حفظ ظاهر فاتهمه على
دينه).. وهكذا كل العارفين والمقربين من أهل الله أهل الوارثة الكاملة.
قلت: ولكن ألا ترى في خضوع الرسوم
والطقوس ما يشغل صاحبه عن خضوع القلب.. أليس المطلوب في العبادة قلب الإنسان؟
قال: المطلوب في العبادة الإنسان بكل
لطائفه.. لا قلب الإنسان وحده.. فالخاضع هو الذي خضع كل كيانه لله، فصار يردد ما
كان يقوله رسول الله a حين
كان يقول وهو ساجد: