ومن الطوائف من (ظنوا أنّ السعادة في
كثرة المال والاستغناء بكثرة الكنوز، فأسهروا ليلهم وأتعبوا نهارهم في الجمع، فهم
يتعبون في الأسفار طول الليل والنهار ويترددون في الأعمال الشاقة ويكتسبون،
ويجمعون ولا يأكلون إلا قدر الضرورة شحاً وبخلاً عليها أن تنقص، وهذه لذتهم، وفي
ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يدركهم الموت؛ فيبقى تحت الأرض أو يظفر به من يأكله في
الشهوات واللذات، فيكون للجامع تعبه ووباله وللآكل لذته)
وهؤلاء الذين ورد ذمهم في القرآن الكريم
باعتبارهم عبيدا للمال، كما قال تعالى:﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ
(1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ
(3)﴾ (الهمزة)
ومن هذه الطوائف طائفة استعبدهم الجاه،
وانشغلوا بالشهرة، فـ (ظنوا أن السعادة في حسن الاسم وانطلاق الألسنة بالثناء
والمدح بالتجمل والمروءة؛ فهؤلاء يتعبون في كسب المعاش ويضيقون على أنفسهم في
المطعم والمشرب ويصرفون جميع مالهم إلى الملابس الحسنة والدواب النفيسة، ويزخرفون
أبواب الدور وما يقع عليها أبصار الناس حتى يقال إنه غني وإنه ذو ثروة ويظنون أن
ذلك هو السعادة، فهمتهم في نهارهم وليلهم في تعهد موقع نظر الناس)
ومن هذه الطوائف طائفة (ظنوا أن السعادة
في الجاه والكرامة بـين الناس وانقياد الخلق بالتواضع والتوقير، فصرفوا هممهم إلى
استجرار الناس إلى الطاعة بطلب الولايات وتقلد الأعمال السلطانية لينفذ أمرهم بها
على طائفة من الناس، ويرون أنهم إذا اتسعت ولايتهم وانقادت لهم رعاياهم فقد سعدوا
سعادة عظيمة، وأن ذلك غاية المطلب. وهذا أغلب الشهوات على قلوب الغافلين من الناس،
فهؤلاء شغلهم حب تواضع الناس لهم عن التواضع لله وعن عبادته وعن التفكر في آخرتهم
ومعادهم)
ومن هذه الطوائف طائفة ظنوا أن إكسير
الحياة منفوخ ضمن الهواء الذي يسكن جلد كرة القدم.. ومنهم من رآه في الموجات
الصادرة من حنجرة أي ناعق أو مغن.. ومنهم من رآه