هيبة، ولا نبتديه لعظمته، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم،
يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله،
فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مَثُل
في محرابه قابضًا على لحيته، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه
وهو يقول: يا دنيا يا دنيا أبي تعرَّضْتِ، أم لي تشوَّقْتِ، هيهات هيات، غُرِّي
غيري؛ قد بتتك ثلاثًا، لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من
قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق.
قال أويس ذلك بتأثر شديد، أجهش بعده بالبكاء..
بعد فترة من الصمت، قال الصبي: إن شئت حدثتك بما ذكر الرواة من
زهد رسول الله a ما
يبين لك أن عليا وغير علي لم يسلكوا ذلك السلوك الرفيع لمجرد تعاليم تعلموها، أو
دروس حضروها، وإنما لأنهم رأوا بعيونهم أنوار القيم تتجلى أمامهم في أرفع صورها.
قلت: يسرني ذلك.. فيعلم الله أنه لا هدف
لي في الحياة إلا البحث عن الإنسان الكامل.
لقد حدث بعض الصحابة.. والذي صار بعد ذلك
أميرا.. عن تلك التوجيهات العملية التي كانوا يتلقونها على يدي رسول الله a، فقال يخاطب رعيته بعد أن حمد الله
وأثنى عليه: (أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم[1]، وولت حذاء[2]، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة
الإناء يتصابها[3] صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى
دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من
شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما، لا يدرك لها قعرا، والله لتملأن أفعجبتم؟! ولقد
ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما،