فلما فرغ من خطبته قام آخر، عرفت فيما
بعد أن اسمه (محمد بن الحسين)[1] فقال: لما علم أهل الفضل والعلم
والمعرفة والأدب أن الله عز وجل قد أهان الدنيا، وأنه لم يرضها لأوليائه، وأنها
عنده حقيرة قليلة، وأن رسول الله a زهد
فيها وحذر أصحابه من فتنتها، أكلوا منها قصداً وقدموا فضلاً، وأخذوا منها ما يكفي
وتركوا ما يلهي، لبسوا من الثياب ما ستر العورة، وأكلوا من الطعام أدناه مما سد
الجوعة، ونظروا إلى الدنيا بعين أنها فانية؛ وإلى الآخرة أنها باقية، فتزودوا من
الدنيا كزاد الراكب فخربوا الدنيا وعمروا بها الآخرة، ونظروا إلى الآخرة بقلوبهم
فعلموا أنهم سينظرون إليها بأعينهم فارتحلوا إليها بقلوبهم لما علموا أنهم
سيرتحلون إليها بأبدانهم، تعبوا قليلاً وتنعموا طويلاً، كل ذلك بتوفيق مولاهم
الكريم، أحب ما أحب لهم وكرهوا ما كره لهم)
ثم قام خطباء آخرون رددوا فضائل أويس..
ورددوا معها فضائل القيم التي كان يحملها ويدعو إليها.. وقد كان لتلك الخطب تأثير
كبير في المستمعين..
لقد أحسست حينها أن موت أويس كحياته..
كلاهما كان بركة على من لقيه وتتلمذ على يديه أو على أخباره.
في ذلك اليوم.. وبعد انصراف الناس، رأيت قرن،
وكأنها قد أظلمت علي، فلم أملك إلا أن أخرج منها، وقد تركت فيها قطعة من قلبي لا
تزال عالقة في ثراها.
[1] هذه الخطبة لم تقل في هذا الموضع، ولكني ذكرتها هنا
لمناسبتها له.