قلت: عرفت العقبة الأولى.. وعلمت أنه لا
يوجد دين من الأديان قضى على الأسطورة كما قضى عليها الإسلام.. فكيف واجه محمد
العقبة الثانية؟.. وهي عقبة لا تقل عن العقبة الأولى إن لم تكن تفوقها.
قال: إن محمدا a واجه العقبة الثانية بالتحذير من الدجل
والكذب بكل أصنافه.. فالله تعالى يقول ـ راسما المنهج العلمي الصحيح ـ:﴿
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الاسراء:36)، ويقول مطالبا بالبراهين في
مواجهة الدجل:﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ
هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
(البقرة:111)
فلذلك لم يعذر الإسلام من عذرتهم من
الشعوب فيما وقعوا فيه من أخطاء.. ذلك لأن افتقارهم للوسائل لا يبيح لهم أن
يتحدثوا فيما لا علم لهم به، قال تعالى:﴿ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ
وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ (سـبأ:53)
وفوق ذلك، فإن محمدا a جاء بالتعاليم التي توفر الاستعداد
النفسي للتعامل العلمي مع حقائق الكون.. ولهذا، فإن عصر التنوير يبدأ في الحقيقة
من الأيام التي تشرف فيها محمد a
بالجلوس بين يدي ربه للتعلم منه، ثم نشر ما تعلمه منه بين يدي عباده..
من ذلك الوقت بدأ التنوير..
لقد جاء محمد a بالتعاليم التي جددت الإحساس بالكون
وإزالة الغفلة المعطّلة لرؤية الأشياء بسبب الإلف الطويل.. فالله تعالى
يقول:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (ابراهيم:19)، ويقول:﴿ أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ
مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ (الحج:63)
بل إنه يحرض على النظر العلمي إلى الكون،
ومكوناته.. والنظر، واستعمال كل وسائل