الجميلة المفيدة التي يحدثنا بها.. إنه
بلسم جراحنا، وشفاء أدوائنا.
قلت: لقد أثر فيكم هذا الطبيب كثيرا..
أرى أنه لو دخل السياسة لحصد أكثر الأصوات.
ابتسم، وقال: دعنا من هذا اللغو.. والله
لو دخل السياسة ما أخذ من هذه المدينة صوتا واحدا.
تعجبت، وقلت: كيف ذلك.. أتربأون به عن
السياسة، أم تربأون بالسياسة عنه؟
قال: لقد قال رسول الله a: (أنزلوا الناس منازلهم)[1].. ونحن ننزل منزلته لا نعدوها..
قلت: والسياسة.. من ينزلها؟
قال: نحن أزهد الناس فيها.. لقد شغلنا بشر
بسياسة أجسادنا.. وشغلنا الصادق بسياسة أسرارنا.. وشغلنا أويس بسياسة نفوسنا..
وشغلنا بديع الزمان بأمة نبينا.. وشغلنا المهدي بتنظم مدنيتنا.. لقد شغلنا هؤلاء
وغيرهم عن جدل الساسة والسياسيين.. فتركنا لهم لعبهم يتلهون بها، وانشغلنا بنبينا
وورثته.
قلت: بورك لكم هذا الانشغال.. دعني أسير
معك.. فما أشوقني للقيا هذا الوارث.
سرت معه إلى مدخل المدينة، حيث اجتمع جمع
كبير في انتظار قدومه..
لقد ذكرني هذا الجمع بما روي في السيرة
من اجتماع أهل المدينة المنورة انتظارا لقدوم رسول الله a..
لقد أعاد هذا المشهد ذلك المشهد، وأحياه
في مخيلتي، بل جعلني أعيشه بكل جوارحي ولطائفي مع أني إلى ذلك المحل لم أسلم بعد..
لم يطل الانتظار.. فما هي إلا دقائق
معدودة حتى قدم البغدادي في موكب حافل..
نزل من السيارة، وحيا الجمع، ثم ارتقى
منصة أعدت له، وقال ـ بعد أن حمد الله، وسلم