أولاده؛ لقد أمرهم أن يذكرو الله كما يذكرون آباءهم أو أشد
ذِكْرًا.
فهو لم يشبِّه الله بالأب؛ لكنه شبَّه حبه بحب الأب، واجتنب ما
يدل علَى القرابة الواشجة والرحم الماسة؛ فأبقى من هذِهِ العلاقة ما يدل علَى
الحب، ثم زاد الحث علَى أن يَذكروه أشدّ وأكثر مما يذكرون آباءهم بقوله: ﴿
أو أشدّ ذِكْرًا ﴾ (البقرة: 200)، لأن الصلة بين العبد وخالقه أشدّ وأسمَى
من جميع ما يمت به المرء إلَى أحد من ذوي قرابته؛ فقال: ﴿ وَالَّذِينَ
آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لله ﴾ (البقرة: 165)
ولهذا فإن النصوص المقدسة للمسلمين لا تُسَمِّي الله أبًا
للناس؛ بل تَدعوه (رَب العالَمين)؛ لأن الرب أعلى مكانًا من الأب، فالصِّلة بين
الابن وأبيه عارض يفنَى، والصِّلة بين المربوب وربه أثبت وأبقَى؛ لأنها مستمرة من
أول نشأة المخلوق إلَى أن تنتهي حياته بلا انقطاع؛ فالله ودود رؤوف حنَّان بأكثر
مما في الرجال من الود لأودَّائهم، وما في الأب من الشفقة والرأفة نحو بَنيه، وما
في الأم من الحنان علَى أولادها، ومع ذلك؛ فإنه تعالى ليس بأب ولا أم، وهو منزَّه
ومقدَّس عن كل شائبة من شوائب البشرية.
هذا عن الأول.. أما الثاني.. وهو الصفات، فقد وجدت أن محمدًا
انتقد انتقادا شديدا آراء الأُمَم في صفات الله؛ فأظهر خطأ تلك المذاهب وفسادها،
وبيَّن أن الله واحد، وأن صفاته الكثيرة ليست أشخاصًا منفصِلَة عنه، وأن مَن جعل
الله الواحد اثنين أو أكثر مغترًّا بتعدُّد أسمائه الحسنى وصفاته العُليا؛ فقد
ضَلّ وغَوَى وحادَ عَن سواء السبيل؛ فالقرآن أعلمنا بأن الله (رَب العالَمين)،
وأنَّ ﴿ لَه المَثَلُ الأَعْلَى ﴾(الروم: 27)، وأنَّه ﴿نورُ
السَّماواتِ والأَرْضِ﴾ (النور: 35)
لقد كان بعض العرب يَدْعُون الخالق بالرحمن؛ لاتِّصافه بالرحمة،
أما عامة المشركين فكانوا يدعونه (الله)، ونزلَ القرآنُ تصديقًا لهما: ﴿
قُلِ ادْعُواْ الله أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ
الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾(الاسراء: 110)، وفيه: ﴿ فاللهُ هُوَ
الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ علَى