لقد كان عظماء قريش مجتمعين ذات يوم في ناديهم؛ فجرى ذكر محمد،
وفيهم النضر بن الحارث ـ وكان رجلًا داهية محنّـكًا وعالمًا بالأخبار ـ ؛ فقال
لهم: يا معشر قريش؛ لقد أعياكم أمر محمد، وعجزتم عن أن تدبروا فيه رأيًا لما
أصابكم به! إن محمدًا قد نشأ فيكم حتى بلغ مبلغ الرجال، وكان أحب الناس إليكم
وأصدقهم فيكم واتخذتموه أمينًا، فلما وخطه الشيب، وعرض عليكم هذا الأمر؛ قُلتم:
ساحر وكاهن وشاعر ومجنون! تالله لقد سمعتُ كلامه؛ فليس فيه شيء مما ذكرتُم!
وأبو جهل كان أشد الناس عداوة لمحمد، وقد قال له ذات يوم: يا
محمد؛ إني لا أقول أنك كاذب؛ لكني أجحد الَّذِي جئتَ به وما تدعو إليه.
ولما تلقَّى محمد أمر ربه بأن يدعو ذوي قُرباه إلَى الإسلام،
وينذر عشيرته الأقربين صعد الجبل ونادى: يا معشر قريش. فلما اجتمعوا قال: هل كنتم
مصدقيّ إن قلتُ إنّ جيشًا قد بلغ سفح هذا الجبل؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا قطّ[1].
الأعمال:
قال رجل من الجمع: عرفنا هذا المسلك.. وهو مسلك محترم معتبر..
فحدثنا على بحثك في المسلك الثاني.
قال: لم أكتف بتلك الشهادات.. بل رحت أبحث في سيرة محمد نفسها،
محاولا المقارنة بين جانبها النظري، وجانبها التطبيقي الواقعي.
لقد رأيت النصوص المقدسة من القرآن والسنة تحث على ذكر الله
ومحبته، فرحت أبحث عن حياته في هذا الجانب.. فرأيتَها ملائمة غاية الملاءمة لهذه
الدعوة.. بل إني وجدته لا تمضي عليه ساعة من نهار أو ليل إلَّا وهو يذكر الله
بقلبه ويحمده بلسانه؛ فكان لسانه رطبًا